وبينما ننتظر نتيجة الهجوم الإسرائيلي على إيران بعد ادعاء تل أبيب أنها حققت أهدافها العسكرية، قد لا نرى الرد على الرد. ومع محافظة إيران على سريتها، ظهرت دعوة الإمام خامنئي إلى «عدم المبالغة أو التقليل من الهجوم»، في إشارة ضمنية للانتظار حتى يتم تقييم الوضع قبل الإقدام على أي خطوة تضر بمصالحه العليا. ونتيجة لذلك، قيل إن طهران لن ترد قبل الانتخابات الأميركية خوفاً من أن تؤدي تداعياتها إلى وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. إلى أي مدى تعتبر هذه النظرية صحيحة؟
وذلك وفقا للقاعدة التي تقول: “من دخل ضائع، ومن خرج ولد”، وهو ما يمكن استعارته لتوضيح صعوبة تقديم معلومات دقيقة عن نتائج عملية أيام الحساب التي استهدفت المنشآت العسكرية الإيرانية بعد تجنب التأثير على القدرات النووية أو النفطية. كل ما هو معروف يشير إلى أن تل أبيب استخدمت في عملياتها المعقدة ما يقدر بنحو 100 طائرة من مختلف الأنواع، بالإضافة إلى الأنواع الأكثر تقدما، إضافة إلى الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية. واستهدفت أنظمة صواريخ أرض جو ورادارات ومختلف الأصول الجوية الأخرى المنتشرة في ثلاث محافظات خارج طهران عندما دمرت محطة لإنتاج الكهرباء في كرج غربي العاصمة وموقع بارديسان قيد الإنشاء في مدينة قم جنوبي البلاد. منه.
وبينما دخلت الطائرات الإسرائيلية في طريقها إلى إيران قواعد ومنصات صواريخ مضادة للطائرات في سوريا والعراق، فضلا عن مجموعة من مواقع المراقبة من أجل تعطيلها مسبقا في طريق العودة، فإنها لم تقترب من المجال الجوي الإيراني. وبقيت على مسافة لا تقل عن 70 كيلومترا، مما يوحي بأنهم أطلقوا صواريخهم من الأجواء العراقية، بدليل أن العراق اشتكى إلى مجلس الأمن الدولي بشأن استخدام مجاله الجوي في هذا الهجوم، في حين لم تفعل سوريا شيئا في هذا الهجوم. في مواجهة تأكيدات من الأردن والمملكة العربية السعودية بأن مجالهما الجوي مغلق أمام طائرات العدو في طريقها إلى أهدافها.
وبعيدا عن هذه القواعد العسكرية التي لا يمكن إخفاؤها على أحد، نصحت السلطات العسكرية بعدم التسرع في إصدار الأحكام على نتائج الهجوم الإسرائيلي، لأنه كان يستهدف دولة شاسعة وكبيرة تختلف فيها الساعات بمقدار ثلاث ساعات ونصف بين يوم وآخر. شمالاً وجنوباً، ولا يستطيع أحد من سكان محافظاتها أن يفهم ما يحدث عندما… لم يذكر جاره في وسائل الإعلام المحلية أمام تغريدات الإيرانيين الساخرة حول ضعف الهجوم ونتائجه قبل أن يحث زعيمه على ذلك. وعدم الاستخفاف بها وانتظار احتساب نتائجها إذا أرادت السلطات الإيرانية ذلك هذه المرة ومهما طال الزمن.
على هذه الخلفية، قرأت السلطات الدبلوماسية بحذر شديد ما سبق الهجوم الإسرائيلي وأحاط به وأعقبه، قبل تقييم شكل وتوقيت الرد الإيراني. وأشارت إلى أن التجارب السابقة تطلبت انتظاراً طويلاً، انطلاقاً من منطق “الصبر الاستراتيجي” الذي طبقته في ردها على الضربات المتواصلة التي تعرضت لها أكثر من مرة. وبعد غارة الأول من نيسان/أبريل على القنصلية الإيرانية في دمشق، انتظرت حتى 13 من العام الماضي للرد، وفي عمليات مماثلة الأخيرة، تأخرت طهران حتى الأول من تشرين الأول/أكتوبر من العام الحالي للرد على اغتيال إسماعيل هنية وفؤاد للرد على شكر. ليلة 30-31 تموز/يوليو، ويعتقد أنه لولا اغتيال الأمين جنرال الحزب السيد حسن نصر الله، في 27 أيلول/سبتمبر، لكان ردي أكثر تردداً من ذلك الذي قمت به. ويعتقد أنها نظرية سيتم اختبارها هذه المرة، حيث يجب أخذ عدد من العوامل في الاعتبار وحسابها بعناية، خاصة إذا كانت بعض النظريات المحيطة بها صحيحة، بما في ذلك على سبيل المثال:
– إذا كانت القصة صحيحة، فإن إيران أبلغت بالرد مسبقاً وتم التأكيد لها عبر أكثر من وسيط وصديق مشترك أن الهجوم الإسرائيلي لن يضرب أي مواقع نفطية أو نووية استراتيجية، بما في ذلك مراكز القيادة الرسمية والمرجعيات الدينية، وسيقتصر على المواقع العسكرية التي استخدمتها في هجماتها السابقة ضد إسرائيل. كل ذلك كان شرطاً لتجنب الانجراف لرد الفعل، وسعياً لإنهاء هذه المواجهة المدمرة للطرفين والمنطقة في أسرع وقت ممكن، خاصة وأن النتائج من حيث عدد الخسائر البشرية مماثلة لتلك التي وقعت في سوريا. الهجوم الإيراني على إسرائيل.
– إذا صحت القصة بأن إيران أبدت تفهم النية الأميركية بعدم توسيع الحرب في المنطقة، فإن مثل هذا القرار الاستراتيجي هو قرار العاصمتين. وقد أكدوا ذلك أكثر من مرة، وأن طهران تعني بهذا وقف إطلاق النار في غزة وجنوب لبنان في سلة واحدة، وهو ما التزم به الأميركيون ضمناً، رغم جهودهم لإنهاء حرب «التضليل والدعم» قبل وقف إطلاق النار في غزة. وأغلقت أبوابها منذ عام 1997 رغم علمهم بصعوبة المهمة. وهي فترة ليست بالقصيرة، امتدت حتى بداية الصيف، عندما أُبلغت الحكومة الأميركية برفض إسرائيل الإبقاء على قرار السيطرة على الجبهة الشمالية، وهي بيد حزب الله، وستدمر هذه المعادلة حتى فهي تقلبه رأساً على عقب، وهو ما فعلته بتصعيد عمليات القتل والتفجيرات في منتصف أيلول (سبتمبر) الماضي.
وبالنظر إلى هاتين الملاحظتين، فمن المهم أن نلاحظ أن اعتقاد إيران بأن القصف العسكري واسع النطاق لن يتوقف عند ارتفاع أسعار النفط أو يؤدي إلى كارثة نووية إذا كان للرد الإسرائيلي تأثير هو تعزيز المنشآت اليومية. وهي تدرك أن مثل هذا “الخيار المجنون” الذي يرغب فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرفوض إيرانياً ودولياً لأنه قد يؤدي إلى ترشح دونالد ترامب ضد كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية وربما حسم المعركة مبكراً لصالحه. . وهو الذي حرض إسرائيل علناً على اتخاذ مثل هذه الخطوة المدمرة، التي لا تريدها طهران لأنه مثقف دبلوماسياً وسياسياً.
وبناء على ما سبق، فإن المؤشرات الدبلوماسية والعسكرية تشير إلى أن إيران لن ترد على الهجوم الأخير في الوقت الحالي، وستنتظر إلى ما بعد الانتخابات الأميركية لتجاوز هذا الخرق، لا حباً لبايدن ولا لهاريس. ويدركون أن الأول أمضى فترة ولايته في إحداث أي تغيير على قرار بلاده وقف تنفيذ الاتفاق النووي بين طهران ومجموعة «5+1» الذي جمده ترامب. ولم تسفر المفاوضات بينهما في السنوات الأربع الأخيرة من ولايته بين فيينا ومسقط في عمان وفي مختلف العواصم عن التغيير الذي سعت إليه إيران، خاصة بهدف تحقيق رفع الحظر المفروض على عشرات المليارات من الدولارات. تم تجميدها في بنوك العالم التي امتثلت دولها للعقوبات الأمريكية.