حرب “طوفان الأقصى” وما تلاها من “حرب الدعم” أثارت قناعة على المستوى الدولي بوجوب إنهاء الصراع في الشرق الأوسط بعد أن تجاوز كل الحدود والسقوف، وأثارت الحروب الحالية مشكلة إقليمية. حرب ذات عمق أميركي ودولي، خاصة بعد أن شكل الطوفان تهديداً وجودياً لدولة إسرائيل التي دخلت حرباً طويلة وغير مسبوقة في تاريخها، وتريد إنهاء حروبها الكبرى معها بأي ثمن.
إن العقيدة الدولية التي أسستها الحرب تقوم على ثلاثة أهداف يمثل تحقيقها بوابة لتحرير الشرق الأوسط من العنف وعدم الاستقرار:
الهدف الأول إيران: من المستحيل أن يجد الشرق الأوسط الهدوء والاستقرار في مواجهة الدور الإيراني الذي لم يعد بإمكانه التعايش معه والذي هو السبب الرئيسي للأزمات في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وإيران. بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن أي بحث عن حلول لهذه الأزمات قبل ردع إيران أو تغيير دورها أو إسقاط نظامها هو مضيعة للوقت.
وخطر هذه الأزمات هو أنها من صنعه، وإذا لم يردعها فإن الشرق الأوسط برمته سوف ينحدر إلى حالة من الفوضى، لأن من أهدافه التوسع من ساحة إلى أخرى، وكل ساحة فهو يتسلل يسعى إلى تخريبها وتعزيز عناصر عدم الاستقرار من أجل إبقاء الفوضى بداخله، فمشروعه لا يتحقق إلا من خلال ترسيخ جوهر مذهبه من خلال دعاء الفوضى على عكس ما هو موجود في العالم. .
ولا يقتصر ضرر الدور الإيراني على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل يمنع قيام دول قومية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان. إن فشل هذه الدول يؤدي إلى أزمات إقليمية ويشغل بال المجتمع الدولي. ولمعالجة هذه الأزمات التي تنتشر ولا تنحسر، وهذا هو سبب حماسة بعض الدول الغربية والعربية، عليها الاستفادة من حرب إسرائيل الوجودية. لدور التخلص من إيران لأن ما تفعله لتحقيق أمنها الوجودي من شأنه أن يمنع ذلك لم تقم أي دولة بذلك، وهو ما يمثل فرصة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وتنظيمه وتشكيله. لا حل لأزمة اليمن قبل ردع إيران، ولا حل لأزمتي العراق وسوريا. الإدارة الفردية للأزمات تبدأ بردع مثيري الأزمات، وتل أبيب اشترطت أن تنفرد طهران بالغرب و الدعم العربي.
الحوثي مثلا في حال سقوط النظام الإيراني سينتقل من عرقلة أي اتفاق وحل إلى الدفع بأي حل لإنقاذ رأسه، وهذا ينطبق على كل الميليشيات الإيرانية وبالتالي المشكلة في الرأس، وبدأ استهداف الرأس، وتحولت المواجهة بين إسرائيل وإيران مباشرة إلى صراع. وهو مؤشر على نية تل أبيب، ومن خلفها واشنطن، التوصل إلى اتفاق ينهي دور طهران وسلاحها في الوقت نفسه.
تأثير “طوفان الأقصى” لن ينتهي حتى ينتهي دور إيران في المنطقة، ورغم أن تل أبيب نفذته لأنها تأثرت وجوديا، إلا أن عواصم القرار الغربية والعربية تقف وراءه للحل وإيجاد النهاية النهائية إلى دور إيران المزعزع للاستقرار، وكانت الرسالة الأكثر بلاغة جاءت من المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين، وخاصة من عين التينة: «نحن نعمل على صيغة لإنهاء الصراع إلى الأبد»، وهذا يعني بوضوح أن إيران الوقت في لبنان و المنطقة انتهت إلى الأبد.
الهدف الثاني هو تعميم رؤية 2030: رغم أن المنطقة بدأت تحولاً استراتيجياً من الأيديولوجيا إلى الأحياء (أولوية الحياة) وسبل العيش (أولوية نمط الحياة)، فإن أحد أهداف الطوفان هو… الأولوية ل الحفاظ على إيديولوجية الموت: بمجرد انتهاء هذه الحرب، ستتحرك المنطقة بشكل حدسي وعفوي من جهة. ويرجع ذلك، من ناحية، إلى تعطش الشعب للاستقرار والازدهار والرفاهية الاقتصادية والاجتماعية، ومن ناحية أخرى، إلى الرؤية والتخطيط السابق، من ناحية أخرى، بهدف الإصرار دولياً على أن يجب إعطاء ثقافة حياة الشعب الأولوية على ثقافة الموت.
إن الرؤية التي قدمها الأمير محمد للمملكة العربية السعودية ستحول رؤية على مستوى الشرق الأوسط بأكمله، وستكون الرياض المحرك القاطرة والمزدهر للعواصم العربية، وسيدخل العالم العربي في نهضة جديدة ذلك الوقت ستنتهي حروب وأيديولوجيات الموت وسيفتح زمن الحداثة والحداثة والاستثمار.
إن إنهاء الصراع العسكري لا يكفي إذا لم يرافقه خطة بديلة لا تترك مجالاً لاستغلال الفراغ، وتؤدي إلى تغيير عميق في العقليات السائدة، لأن الحرب ليست عسكرية فقط، بل هي في الأساس فكرية في طبيعتها وأساسها. ويتطلب القطيعة مع عقيدة الموت والحرب من خلال العمل في اتجاهين: الاتجاه الذي يشير إلى تطوير نمط حياة الناس وعيشه في بيئة مستقرة ومزدهرة، والاتجاه الذي يشير إلى تغيير حجم أولوياتهم من الحرب. والموت لحب الحياة.
المناخ السائد في الشرق الأوسط هو مناخ حرب، وكأن الحرب العالمية الثانية لم يتم التغلب عليها بعد، أو أنها في خضم حرب عالمية ثالثة مستمرة منذ عدة فصول. وللقطيعة مع هذه المرحلة لا بد من إنهاء الدور المولد للعنف وتعميمه والاستفادة منه منذ البداية بهدف نشر الاستقرار والسلام والازدهار.
الهدف الثالث، الدولة الفلسطينية: بعد كبح جماح إيران وإطلاق مشاريع استثمارية ضخمة، لا بد من إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بإقامة الدولة الفلسطينية، لأن فشلها سيبقي جذوة الصراع مشتعلة، في انتظار الظروف، تمهيدا لإقامة الدولة الفلسطينية. الطريق لتجديد دائرة العنف. ومن الجدير بالذكر أنه بعد الطوفان انتقلت القضية الفلسطينية إلى المرحلة الرابعة: المرحلة الأولى كانت تسمى الصراع بين العرب وإسرائيل، النضال الفلسطيني الذي بلغ ذروته في ولاية رام الله، والمرحلة الثالثة كانت استغلال القضية الفلسطينية من قبل إيران في إطار مشروعها التوسعي والتخريب. وفي نهاية المرحلة النهائية، سيتم تمهيد الطريق إلى الدولة الفلسطينية في ظل مناخ عربي مشجع للسلام والاستقرار والاستثمار، وغياب دور الحرب المزعزع والممول والتسليح، أي إيران.
لولا الدورين السوري والإيراني لنجح الرئيس ياسر عرفات في إقامة الدولة الفلسطينية، لكن الرئيس حافظ الأسد والسيد علي خامنئي كانا مسؤولين عن إحباط هذه المحاولة من خلال العنف والحشد في مواجهة الصراع في المنطقة واحتواء خامنئي. وهذا الدور يجعل مسار مبادرة السلام العربية مؤكداً وواضحاً.
هيمنت الثورة الإيرانية على المنطقة منذ تأسيسها عام 1979، واستفادت من أحداث عدة، أبرزها هجمات 11 سبتمبر 2001، في تعزيز انتشارها، لأنها ثورة تسير ضد مسار الإنسان والإنسانية في المفهوم. من الدول الحديثة، كانت أحداث “طوفان الأقصى” المحفز وراء اتخاذ القرار الدولي بإنهاء دوره، لأنه لا يكفي إنهاء دور دون ظهور آخر، رؤية الأمير محمد للمملكة سيتم تنفيذ خطة 2030 على المستوى الإقليمي. ومن خلال هذه الرؤية عرف كيف يقلد الروح الغربية وخاصة الأمريكية، وجعل من دور السعودية حاجة دولية ومركز جذب للدول، واتضح أن من ينسج السجاد هو الأمير محمد وليس السيد خامنئي كذلك، لأنه بعد الرد الأمريكي غير المبرر على هجمات 11 سبتمبر وغض واشنطن المتعمد للدور الإيراني على حساب الدول العربية ودول الخليج، عرف ولي العهد السعودي كيف يغير الموقف الأمريكي وجعل ليعترف بخطئه ويلجأ إلى السعودية ويعاقب إيران.
ولولا تطورات غير متوقعة ومن غير المرجح أن تحدث، فإن المشروع الثوري الإيراني سيكون قد دخل مرحلة الفيضان الذي سيؤدي إلى نهايته الحتمية، في حين أن مشروع 2030 سيكون قد دخل مرحلة الفيضان الذي سيقود العرب إلى عصر جديد فرصة تاريخية لـ على المنطقة أن تنتقل من مرحلة الصراع والحروب الساخنة والباردة والفوضى إلى مرحلة السلام والاستقرار والازدهار. إن العالم العربي، مثله مثل العالم الأوروبي، يقترب الآن من نهاية الحرب العالمية الثانية.