ومع تفاقم الأزمة، أصبحت الظروف المعيشية للسكان أكثر صعوبة مع انخفاض قيمة العملة الوطنية بشكل حاد وارتفاع معدلات البطالة والفقر بشكل غير مسبوق. ويشكل هذا الانهيار اختباراً حقيقياً لقدرة لبنان على التعافي، إذ لا حلول سياسية واقتصادية ملموسة حتى الآن.
أما الفقر، فمع تراجع قيمة العملة المحلية وفقدان الثقة بالجهاز المصرفي، ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، مما ترك العديد من الأسر غير قادرة على تلبية احتياجاتها اليومية. وبحسب تقارير الأمم المتحدة والبنك الدولي، يعيش نحو 80% من سكان لبنان تحت خط الفقر، مقارنة بنحو 30% قبل الأزمة.
أدى انخفاض قيمة الليرة اللبنانية إلى ارتفاع كبير في الأسعار وجعل حتى السلع الأساسية مثل الغذاء والمأوى والملبس غير متاحة لنسبة كبيرة من المواطنين. كما ارتفعت معدلات البطالة بشكل حاد، حيث أصبح العديد من الأشخاص، بما في ذلك خريجي الجامعات، غير قادرين على العثور على عمل.
على مستوى الصحة النفسية: كان للأزمة الاقتصادية تأثير مدمر على الصحة النفسية للبنانيين. ينتشر القلق والاكتئاب والتوتر في كافة شرائح المجتمع. وأدى فقدان الوظائف ونقص الأموال وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية إلى زيادة الشعور بالإحباط واليأس لدى المواطنين، وخاصة الشباب الذين يريدون بناء مستقبل مشرق. بالإضافة إلى ذلك، يواجه بعض الأفراد، وخاصة أولئك الذين يعيلون أسرهم، ضغوطا نفسية هائلة بسبب الصعوبات الاقتصادية. وقد أظهرت الدراسات المحلية أن المزيد والمزيد من الناس يتجهون إلى المراكز الطبية للحصول على الدعم النفسي والعلاج للمشاكل المتعلقة بالتوتر النفسي. إلا أن الخدمات النفسية، مثل العديد من الخدمات الأخرى، تعاني من نقص التمويل والموارد، مما يجعل الوصول إلى الرعاية النفسية صعبا حيث يلجأ الجزء الآخر من الشباب إلى الهجرة هربا من أوضاع مأساوية.
فيما يتعلق بالحصول على الخدمات الأساسية: أدت الأزمة الاقتصادية في لبنان إلى تدهور كبير في إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية، مما جعل حياة الكثير من الناس أكثر صعوبة وتعقيدا. وشهدت قطاعات الخدمات العامة، التي تعاني أصلاً من ضعف البنية التحتية والفساد، مزيداً من التدهور بسبب الأزمة المالية الطاحنة، بما في ذلك:
وتدهورت إمدادات المياه بسبب عدم قدرة الدولة على تمويل وصيانة البنية التحتية. ولذلك، يعتمد الكثير من المواطنين على شراء المياه من القطاع الخاص، والتي أصبحت باهظة الثمن بسبب التضخم.
وقد أثر النقص الحاد في الكهرباء، مع انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 20 ساعة يومياً في بعض المناطق، سلباً على المنازل والمصانع والمرافق الطبية، مما جعل الحياة اليومية صعبة وعرقل النشاط الاقتصادي.
كما تأثرت المدارس والجامعات بشدة لأن العديد من الأسر غير قادرة على دفع الرسوم المدرسية أو الجامعية. بالإضافة إلى ذلك، وبسبب الأزمة المالية، اضطرت بعض المؤسسات التعليمية إلى الإغلاق أو الحد من أنشطتها وهنا نرى أن الأغلبية لجأت إلى المدارس والجامعات الرسمية، الأمر الذي كان له تأثير سلبي على جودة التعليم هناك.
كما يعاني القطاع الصحي من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية. فيما تكافح عدد من المستشفيات لتوفير الرعاية الأساسية للمرضى بسبب نقص التمويل وارتفاع تكلفة المستلزمات الطبية المستوردة. ولذلك قامت بعض المستشفيات بإغلاق أقسام معينة أو الحد من خدماتها. وقد أدى هذا الوضع إلى دفع النظام الصحي اللبناني إلى حافة الانهيار، مع وجود دعم مالي عاجل وإصلاحات شاملة ضرورية لضمان الاستمرارية في تقديم الخدمات الصحية الأساسية.
للأزمة الاقتصادية في لبنان تأثير عميق على جميع مجالات الحياة، من ارتفاع معدلات الفقر إلى تدهور الصحة العقلية وانهيار الخدمات الأساسية. ومع استمرار الأزمة، يحتاج لبنان إلى دعم كبير من المجتمع الدولي لإعادة بناء اقتصاده وتحقيق الاستقرار الاجتماعي الذي يسمح للأفراد بالعيش بكرامة وتلبية احتياجاتهم الأساسية.
إن حل أزمة لبنان الاقتصادية يتطلب خطوات جذرية وشاملة، بما في ذلك إصلاحات اقتصادية وسياسية متكاملة تقوم على الشفافية ومكافحة الفساد وإعادة هيكلة النظام المالي. ولا يمكن الخروج من هذه الأزمة دون تعزيز ثقة المواطنين والمستثمرين في المؤسسات الحكومية واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتعزيز النمو الاقتصادي المستدام. كما يتطلب الأمر دعماً دولياً والاستخدام الواعي للمساعدات الخارجية، فضلاً عن وضع خطط تنموية تعمل على تحسين الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات. في نهاية المطاف، يتطلب التعافي قيادة قوية واستعدادا حقيقيا لإجراء تغييرات جذرية من شأنها أن تساعد في إعادة بناء اقتصاد مستدام وعادل يضمن حياة كريمة لجميع اللبنانيين، فضلا عن خطة واضحة لإعادة المهاجرين إلى وطنهم.