وخلال المفاوضات لإنهاء حرب إسرائيل على لبنان، طرح حزب الله ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الفوري من المناطق التي اجتاحها جيش الاحتلال، مع إعلان وقف إطلاق النار، إلا أن الاتفاق انتهى بالسماح بالانسحاب خلال 60 يوما.
وبهذا المعنى، توقع حزب الله إمكانية أن يستفيد الكيان الإسرائيلي من فترة الشهرين للقيام بما كان يفعله منذ إبرام اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن الحزب لم يجعل من هذا الجزء “عقدة” حينها . لتسهيل إبرام الاتفاقية.
وفي ظل انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة وانتهاكات السيادة اللبنانية، أعلن الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في آخر ظهور له أن “صبرنا قد ينفد قبل نهاية الستين يوما أو بعد ذلك”، مبينا أن قيادة المقاومة هو الذي يقرر متى وكيف يقاوم.
وعليه، ترك قاسم الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات، وانتظر استنفاد كافة الخيارات المتاحة للدولة والمجلس الأعلى لاحتواء الاعتداءات والتجاوزات الإسرائيلية بشكل أفضل.
كانت مسألة تجاهل إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار موضوعاً أساسياً للنقاش بين الرئيس نبيه بري ووفد من كتلة “الوفاء للمقاومة” بزعامة النائب محمد رعد في أول ظهور علني له قبل أيام، حيث ساد الواقع الأمر. وجرى عرض الأرضية في الجنوب ومحاولات معالجتها بالطرق الدبلوماسية، بناء على مشاورات بري مع رئيس لجنة الإشراف والرقابة الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز، ثم مع عاموس. هوكشتاين الذي التقى برئيس المجلس وحضر اجتماعا. وأذنت له اللجنة بعد أن «اتاحت» تل أبيب له الانسحاب من الناقورة على خلفية حضوره هناك لحضور الاجتماع.
ومن الواضح أن الحزب يدرس خياراته بعناية ويزن الجوانب السلبية والإيجابية لكل خيار، بغض النظر عن المشاعر والمشاعر، خاصة فيما يتعلق بخيارات الصبر على الانتهاكات الإسرائيلية أو الرد عليها.
وتعلم قيادة الحزب أن كل خيار من الخيارين يحتوي على فرص ومخاطر ويحتوي على الجيد والسيئ، ولذلك تحسب خطواتها جيدا، لأن المرحلة لا تحتمل الدوس غير الكامل، خاصة أن الحزب وبيئته ما زالا في طور “التعافي”. والتعافي من آثار الحرب.
وفي حسابات الحزب، فإن خيار الصبر الذي تم اختياره حتى الآن يؤدي إلى النتيجة التالية:
– تجنب الوقوع في فخ محتمل يتمثل في استفزاز الحزب من أجل استدراجه إلى عمل عسكري عاطفي سيتخذه العدو الإسرائيلي ذريعة لمواصلة حربه ضد المقاومة وبيئتها في مواجهة التغير الجيوسياسي الذي يطرأ. يخدمه استئناف الاهتمام، وبالتحديد إسقاط نظام بشار الأسد وقطع خط الإمداد السوري عن حزب الله.
– التدقيق في الدولة والجيش وقوات اليونيفيل ولجنة المراقبة وتحميلهم مسؤولية التصدي للانتهاكات الإسرائيلية وكشف عدم احترام تل أبيب سواء للشرعية اللبنانية أو الدولية.
استعادة حيوية المقاومة وتجديد شرعيتها في مواجهة التحدي الذي يواجه البدائل الأخرى بعد أن اعتبر البعض أن العدوان الإسرائيلي الأخير أنهى دورها الميداني ومبرر وجودها.
– التركيز على استكمال عملية تعافي الحزب والتأقلم مع ظروف المرحلة الجديدة.
إعطاء الاهتمام اللازم لورشة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية وتأمين المتطلبات الضرورية والعاجلة لبيئة التكاثر المستنزفة والتي تحتاج إلى رعاية على أكثر من صعيد.
في المقابل، وبحسب تفكير حزب الله، فإن قرار الرد على الهجمات الإسرائيلية في حال استمرارها يرتكز على الأسباب الإيجابية التالية:
– لا بد من عدم إغفال الإنجازات التي تحققت من خلال صمود المقاومة على الأرض خلال المواجهات، وخاصة المواجهات البرية، بعد أن اتضح أن الجانب الإسرائيلي يحاول تثبيت الحقائق على الأرض في إطار وقف إطلاق النار. ، والتي لم تكن قادرة على فرض نيران مفرطة عليها.
لقد ذهب الجانب الإسرائيلي إلى حد بعيد في خروقاته المشينة منذ الإعلان عن الاتفاق، والتي لا يمكن للحزب أن يتجاهلها لفترة أطول، خاصة أنها تمثل تحدياً لـ”كبرياء” المقاومة، وتضع معنوياتها برمتها على المحك. .
إن مقاومة تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة حق تكفله كافة القوانين الإنسانية والدولية، وأي عملية يقوم بها الحزب داخل الأراضي اللبنانية التي غزاها الاحتلال الإسرائيلي أثناء الحرب الأخيرة أو بعدها هي عملية مشروعة ومبررة بكل المعايير.
– التوضيح للعدو الإسرائيلي والمعارضين في الداخل أن الحزب لا يهزم ولا يضعف، حتى لا تؤدي التقديرات غير الصحيحة إلى استنتاجات خاطئة يمكن أن تبنى عليها قرارات وتصرفات متهورة.
ولا يزال حزب الله يزن ببرود تداعيات السير في هذا الاتجاه أو ذاك اعتماداً على الاتجاه الذي ستتخذه التطورات على الأرض في الأيام المقبلة، وسيختبر وعد هوشستاين البرنامجي على الأرض حتى يبني على ما تحتاجه.