هذه الصيغة تبدو متوازنة، لكنها «عمليا»، أي على الورق، في حين أنها في الواقع تخدم إسرائيل، التي تملك وحدها المبادرة العسكرية حتى الآن. كما أنها تتمتع بتغطية من واشنطن، التي تلعب دور الوساطة وترأس لجنة الرقابة. لقد أبرم معها اتفاقية جانبية تعترف بها كملحق للاتفاقية.
والحقيقة أن الجانب اللبناني اضطر إلى قبول وقف إطلاق النار بعد تقليص عدد التنازلات إلى الحد الأدنى، إذ لم تعد الخسائر التي تكبدها لبنان في الحرب محتملة، مع مدنيين ودمار وتهجير من الجنوب في الضواحي والبلدات. البقاع. ولم يكن سراً على حزب الله أن المسار الذي رسمه اتفاق وقف إطلاق النار يتطلب منه الالتزام بالقرار 1701 وربما أيضاً القرارين 1559 و1680 اللذين اندمجا في سياقه. لقد تغيرت الظروف في عام 2006، مما سمح له بالتعامل طوعاً مع القرار 1701 (كما فعلت إسرائيل) وتجاهل القرارين الآخرين. لكن «الحزب» يراهن على أن الضغوط التي يواجهها حالياً ستختفي مع تغيرات الظروف الإقليمية والدولية، كما يحدث غالباً، وستسمح له باستعادة قدراته في المرحلة الأولى شمال الليطاني للبناء ومن ثم التوسعة. الجنوب، كما حدث في السنوات الـ 18 الماضية. كذلك، راهن «الحزب» على أن الإسرائيليين، الذين تمكنوا من رصد ومهاجمة العديد من خطوط إمدادهم ومستودعات أسلحتهم خلال الحرب، سيفقدون تلك القدرة مع مرور الوقت. وقد عبر عدد من كوادر الحزب عن هذا الرهان بصيغ مختلفة.
لكن من الناحية العملية، ظهرت حتى الآن ثلاث عقد أساسية تقف في طريق نجاح الحزب في عملياته:
1- خلافاً للتوقعات، لم تعلق إسرائيل عملياتها في لبنان رغم الاتفاق. ورغم أنهم أطلقوا عليها اسم “هدنة” وليس “نهاية الحرب”، إلا أنهم لم يلتزموا حتى بوقف إطلاق النار هذا. ولا تزال طائراتها الاستطلاعية تجوب الأجواء اللبنانية بشكل مستمر، وتمنع الأهالي من العودة إلى عشرات القرى الحدودية، وتستمر في أعمال التدمير والقتل. ونظراً لانعدام الوضوح التام بشأن تنفيذ الاتفاق في هذه المنطقة، هدد وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس مرة أخرى بمهاجمة حزب الله مرة أخرى وبعنف إذا لم يبادر إلى مغادرة جنوب الليطاني.
2- العامل الأكثر تأثيراً الذي لم يعول عليه الحزب هو انقلاب دمشق، والذي جلب له عدة خسائر مترابطة: خسارة خط الإمداد الإيراني والمنافذ الحدودية، فضلاً عن خسارة مستودعات الأسلحة والذخيرة في سوريا. الأرض، وخسارة الحليف السياسي الأقرب والأوثق، وسوريا التي تقع في أيدي النزاع. اليوم «الحزب» ليس له عمق ولا إمكانية للوصول إلى الأرض، على الأرجح بشكل دائم. وقبل أيام، تحدث الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم عن احتمال أن يجد «الحزب» طريقة للحصول على السلاح مرة أخرى، فيما أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي رهانه على دور لـ«الشرفاء» في البلاد. سوريا. ويشير الموقفان إلى أن طهران وحلفائها يراهنون على تغييرات جديدة في سوريا. لكن هذا الاحتمال يظل ضعيفا، على الأقل في المستقبل المنظور.
3- أصبحت التوازنات الإقليمية والدولية في غير صالح طهران على نحو متزايد. وفي العراق، يبدو أن حرية تنقل حلفائها مقيدة، وفي اليمن، يهدد الأميركيون والإسرائيليون بشن هجمات مثل تلك التي وقعت في لبنان، في حين لا تهدأ التهديدات بضربة حاسمة ضد إيران، بالتوازي مع تولي دونالد ترامب زمام الأمور. السلطة السلطة في البيت الأبيض.
لذلك، يبدو مسار اتفاق وقف إطلاق النار غامضاً: إسرائيل لم تنسحب ولم توقف عملياتها، ولم يعلن «الحزب» إخلاء كافة مواقعه، ولم يعلن الجيش عن انتشاره الكامل، ولم يعد الناس إلى منازلهم. القرى. وكأن ما تم تحقيقه حتى الآن في منتصف فترة الستين يوماً هو «تجميد» الحرب عند نقطة معينة لا أكثر. ماذا ينتظر لبنان بعد مهلة 26 يناير؟
ويخشى البعض أن تستأنف الحرب. وذلك انطلاقاً من أن حزب الله أمام خيار نزع السلاح وسيكون مضطراً للرد على إسرائيل، استناداً إلى ما قاله النائب إبراهيم الموسوي: «لصبرنا حدود».
لكن الجميع في لبنان واضحون أن العودة إلى الحرب ستكون كارثية، إذ لا أفق سوى المزيد من الضحايا والدمار والتهجير. وسيكون من السخف أيضاً أن ينهار لبنان أكثر، مما يسمح لإسرائيل بفرض اتفاق أكثر اختلالاً.
ولعل هذا المأزق هو الذي دفع الطرفين حتى الآن إلى إبقاء الوضع في حالة من الارتباك والغموض. وهناك من يعتقد أن إسرائيل يمكن أن تستثمر في هذا الغموض. وإذا صح أن هدفها الحقيقي هو البقاء في منطقة جنوب الليطاني لفترة طويلة، فهذا يعني أنها ستستخدم وجود حزب الله وعدم الانتشار الكامل للجيش كذريعة للبقاء هناك وانتظار المزيد من الأنظمة. ليتم الاتفاق عليها. ولا شيء يمنع أن يصبح التوقيت دائماً، سواء في جنوب لبنان أو جنوب سوريا.