ويصبح الوضع أكثر تعقيدا في غياب الإصلاحات الهيكلية اللازمة لمعالجته. كما أن استمرار قوى الأمر الواقع في انتهاج النهج نفسه الذي أدخل المجتمع اللبناني في هذه الأزمة، من دون تقديم حلول جذرية والاكتفاء بالمناورات المراوغة بحلول مؤقتة، أدى إلى فقدان النظام المالي اللبناني ثقة المجتمع الدولي والدول المانحة.
وقد توج هذا التراجع بوضع الدولة اللبنانية على القائمة الرمادية بسبب الفساد المستشري وغياب الإصلاحات اللازمة، مما جعل لبنان أقرب إلى العزلة الاقتصادية، علاوة على إحجام المستثمرين الأجانب عن دخول السوق اللبنانية بسبب عدم وجود الثقة بالمصارف اللبنانية تؤدي إلى صعوبات في الحصول على… تمويل خارجي.
تباينت الآراء حول الصفات التي يجب أن يتمتع بها المرشح لرئاسة ، بين علاقاته مع الدول الأجنبية والعربية التي سيكون دورها في تمويل المرحلة المقبلة من نهضة لبنان حاسمة بشكل واضح، وعلاقاته مع الكتل السياسية الداخلية. والحاجة ملحة لوحدة الصف وتشكيل حكومة قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية وتحقيق الاستقرار.
لكن يبقى السؤال الأهم حول المشروع الذي سينفذه الرئيس القادم لتنفيذ الإصلاحات الضرورية والخطط الهيكلية التي سيعتمدها لتجنب العقبات السياسية الناجمة عن الصراعات الداخلية.
هذه العقبات، التي غالباً ما تكون ذات طبيعة طائفية، يمكن أن تحول الرئيس القادم إلى نسخة كربونية من أسلافه، الذين كانوا يختلقون الأعذار بدلاً من اتخاذ خطوات حقيقية نحو التغيير والإصلاح.
النائب وضاح الصادق أكد لـ«» أن شخصية الرئيس هي التي تلعب الدور الأهم في استقطاب الدعم الدولي اللازم، على أن يتم تشكيل حكومة جديدة مع تغيير واضح في الفريق السياسي القديم.
وأشار الصادق إلى أن ظهور وجوه جديدة في الفريق السياسي الحاكم يضمن ثقة المجتمع الدولي بلبنان، مضيفا أن “تنفيذ اتفاق الطائف هو الحل”. ومن الضروري التعامل مع جميع الفصائل على قدم المساواة ومراعاة التنوع السياسي لتجنب فرض حزب واحد قراراته على أساس فائض القوة، وكذلك تجنب المحاصصة الطائفية وتوزيع الحقائب على أساس الكفاءات وليس الطائفة.
وفي هذا الصدد، شدد الصادق على “ضرورة تفعيل السلطة القضائية من خلال الرئيس الجديد ومنع أي عرقلة قد تنشأ بسبب تراكم القوانين الموجودة في الأدراج لضمان عدم إقرارها “البرلمان”.
وفي الوقت الذي يعتقد فيه السياسيون أن الحل يبدأ بانتخاب رئيس يتولى تنفيذ الإصلاحات، يرى الخبير الاقتصادي سامي زغيب أنه لا بد من ظهور قوى سياسية جديدة.
وأكد زغيب لـ«» أن التحدي الأكبر هو «تحدي سياسي يتضمن تحديات اقتصادية كثيرة». ومن الضروري خلق قوى إصلاحية عاجلة لمواجهة الطبقة الحاكمة المتمثلة في الأحزاب السياسية والشركات المصرفية والمحتكرين.
وأوضح زغيب أن هذه القوى الجديدة يجب أن تبدأ بتنفيذ إصلاحات جذرية، خاصة وأن لبنان على القائمة الرمادية. ومع تفاقم الأزمة التي تأثرت بشدة بالحرب، فإن السبب الأساسي يكمن في الأزمة البنيوية التي يعاني منها النظام الاقتصادي اللبناني، مما يجعل إجراء إصلاحات جذرية لهذا النظام أمرا ملحا.
وأضاف: «المخاوف هو أن يتمكن بعض المحتكرين من السيطرة على القطاعات المتضررة من الأزمة». أما القوانين التي يجب إقرارها للبدء بالمعالجة، فيرى زغيب أن تلك التي وضعتها قوانين صندوق النقد الدولي هي الأنسب مقارنة. لمقترحات القوى السياسية، بغض النظر عن الخلافات التي قد تكون لدى البعض مع الصندوق. ولكن مع مرور الوقت، قد يحتاج النهج الذي يتبناه صندوق النقد الدولي إلى التجديد، حيث لابد من فتح باب جديد للتواصل مع صندوق النقد الدولي بعد انتخاب رئيس.
وتغطي مقترحات صندوق النقد الدولي عدة قضايا أساسية، مثل حماية المودعين وأهمية تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال إعادة هيكلة القطاع المالي وإصلاح النظام النقدي ونظام سعر الصرف، فضلا عن تعديل قوانين السرية المصرفية. لتحسين الشفافية.
لكن تبقى العقبة الأساسية هي ميل الطبقة الحاكمة إلى العرقلة من خلال تأكيد المصالح الخاصة على حساب مصالح المجتمع، من خلال الحقد والصراع السياسي، وهو ما يمنع أي طرف من العمل بجدية على تنفيذ الإصلاحات.
وتكمن المشكلة أيضاً في أن السياسة الداخلية في لبنان تهيمن عليها التوترات الطائفية، الأمر الذي أدى إلى الافتقار إلى رؤية موحدة أو استراتيجية وطنية حقيقية.