وإلى أن يصبح الوضع المتغير في سوريا نهائياً ومستقراً، سيظل لبنان يترقب كيف ستتطور شؤون جارته القريبة، معتبراً إياها الأكثر ضعفاً وعرضة للتأثر سلباً بنوع المسار الذي تسلكه سوريا الجديدة. علماً أن اضطراب الحكم في دمشق بشكل كبير وفجأة ترك باب لبنان مفتوحاً على مصراعيه.
خلال حرب إسرائيل الأخيرة على لبنان، افترضت قيادة الوحدة أن طرد جمهور كبير دفعة واحدة من بيئة المقاومة إلى بيئات لبنانية أخرى، تختلف في تركيبها وتوجهها، من شأنه أن يثير فوضى وحساسيات مفرطة في النزعات الطائفية أو الطائفية، خاصة وأن وقد سبق هذا الطرد حملات تعبئة وتشويه منظمة على مر السنين.
إلا أن ما حدث على أرض الواقع خالف التوقعات، حيث استقبلت مختلف المناطق النازحين بقلوب مفتوحة وترحيب حار، وضرب سكانها مثالا جيدا في التضامن والترابط، وهو ما أفشل الرهان الإسرائيلي في إشعال أزمة عدوان داخلية. خدمة وتسهيل تحقيق أهدافهم.
وينبغي البناء على هذه التجربة التي تتغلب على الحواجز والمخاوف لتعزيز الوحدة الداخلية وثقافة قبول الآخر، بغض النظر عن الاختلافات السياسية أو اختلافات الانتماءات، خاصة أن ما يميز هذه التجربة هو أنها تنطلق من “القواعد الشعبية”. “خرج” إلى “فوق” حتى بدا الناس وكأنهم تحرروا من حسابات السياسيين وأسلافهم في لقاءات عفوية من دون انتظار التعليمات.
لكن العدوان الإسرائيلي على البلاد لم يكد يتوقف حتى وقع “الزلزال” السوري الذي أطاح بنظام بشار الأسد وأتى إلى السلطة بفصائل المعارضة وعلى رأسها “هيئة تحرير الشام”، التي دمرت لبنان مرة أخرى، فشكلت تحدياً صعباً. اختبار لقدرته على التماسك في مواجهة التحول وحماية بنيته الرقيقة. منطقة جيوسياسية واسعة على حدودها الشرقية والشمالية.
وما يقلق البعض هو تحطم الصورة الإيجابية التي تعكس التفاعل الصادق بين المكونات اللبنانية والنازحين خلال العدوان الإسرائيلي، وذلك بسبب عودة الاقتتال الطائفي والسجالات المتوترة في بعض الأوساط بعد سقوط الأسد وانتصار المعارضة. إذ أيقظت هذه التغيرات الصادمة التعصب النائم في الحي اللبناني وأججت الجمر الكامن تحت الرماد، وهو ما انعكس في المواقف الحادة والسياسية والسياسية. وتنعكس الأحزاب والعواطف الدينية في الشارع في عدة مناطق.
هناك من يخشى أن تؤدي «أعراض» التوترات الطائفية المتجددة الناجمة عن التطورات في سوريا إلى توازن الوحدة الإسلامية الذي اهتز أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة وتورط حزب الله، فالنضال الذي بني لدعمهم هو وتجاهلت نقطة اعتبرها البعض في حينه أن من أهم إنجازات “طوفان الأقصى” وتداعياته أنه جمع القوى المتفرقة وخفض درجة حرارة الأرض. وتراجعت التوترات الشيعية السنية في لبنان والمنطقة إلى أدنى مستوياتها. حرصاً على توحيد البوصلة تجاه العدو المشترك.
وفي سياق مماثل، تكشف سياسية بارزة من الشمال، على اتصال مباشر مع الأرض، أن أجواء التعبئة عادت للظهور تدريجياً وأن المؤشرات المسجلة تثير القلق، معربة عن تخوفها من استئناف محاولات التعبئة. وهي تلعب على خيوط الانقسام، بعد أن ضعفت في الفترة السابقة تحت تأثير تأثير النضال من أجل دعم غزة.
يُشار إلى أن الشخصية نفسها ترى أن حماية الاستقرار في الفترة المقبلة تتطلب الموافقة على انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية في اجتماع 9 كانون الثاني “وإلا فإن المستوى المرتفع هناك مخاطر”. لفرض ذلك بالقوة.”