إن إعلان وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية ما هو إلا خطوة واحدة في رحلة الألف ميل، لأن الحرب الإسرائيلية على لبنان ستكون لها تداعيات ستطال الداخل والكيان الغاصب، ومن الصعب تقدير نتائجها.
وبعد الإعلان المتوقع عن وقف إطلاق النار، سيكون اللبنانيون منقسمين أيضا حول مسألة تقييم نتائج الحرب الوحشية وتصنيف الفائزين والخاسرين في هذه المعركة غير المتكافئة التي استخدم فيها الجيش الإسرائيلي كل الوسائل المتاحة له للقتل والقتل. قتل تدمير. وقدر البنك الدولي خسائر لبنان بأكثر من 8 مليارات دولار، منها أكثر من 4 مليارات دولار لإعادة إعمار ما دمر كليا أو جزئيا، فيما توزعت المبالغ المتبقية على القطاعات الاقتصادية والصناعية والزراعية التي لحقت بها أضرار جسيمة، دون أن تأخذها بعين الاعتبار. مع الأخذ في الاعتبار الأضرار التي لحقت بهجمات طائرات الوحدة الصهيونية خلال الأيام الثلاثة الماضية.
لذلك، يجب على الحكومة المؤقتة التحرك بسرعة لتخصيص هذه المبالغ للاحتياجات الكبرى في أسرع وقت ممكن، خاصة وأن رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله وزعماء روحيين وسياسيين آخرين للطائفة الشيعية يؤكدون أن النازحين من الجنوب في البقاع المنطقة والضاحية الجنوبية لبيروت، سيعودون إلى منازلهم، أينما كانوا، فور إعلان وقف إطلاق النار والأعمال القتالية، ولكن في موعد لا يتجاوز بضعة أشهر، حتى لو دمرت أو دمرت معطوبة. كدليل على تمسكهم بوطنهم ورفضهم الخروج منه، حتى لا يصبحوا عبئاً على المجتمعات المضيفة وحتى لا يصبح وجودهم قنبلة موقوتة يستغلها الإسرائيليون إلى أقصى حد ووسائل سياسية وإعلامية خبيثة لتحقيق ذلك تأجيج نيران الصراع ودفعه إلى حد يعرض السلم الأهلي للخطر. وأكد الرئيس بري والحزب للنازحين في وطنهم أن المناطق المستهدفة سيعاد إعمارها و”ستعود أجمل مما كانت عليه”، كما أعلن السيد حسن نصر الله قبل توليه منصبه. أما الجدل الذي يُخشى أن يتصاعد منذ اللحظة الأولى لوقف إطلاق النار، فلن يختلف الأمر عن الوضع قبل بدء «حرب الدعم»، وأثناءها وبعدها، من حيث ظهور صراعين. منطق وتفسيران أو أكثر متضاربان، وهذا ما يثير قلق المتابعين للوضع اللبناني. ولا يخفي سفراء الدول الأجنبية والعربية مخاوفهم من تصاعد التوتر إذا لم يلجأ المسؤولون إلى اتصالات مكثفة لإعداد مبادرة سياسية تعيد إنتاج حوار داخلي لاستكمال الملفات العاجلة التي لم يعد قرارها يتأخر أولا وقبل كل شيء. انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو ما لا يمثل تحدياً لأي طرف. وهناك أكبر توافق ممكن في لبنان وتشكيل حكومة جديدة برنامج عملها الأساسي هو تقديم المساعدات واستلام ما يرد، على أن يكون ذلك غير مشروط ومباشر. إعادة البناء من خلال أعلى مستويات الشفافية والنزاهة.
إضافة إلى ذلك، يجب على رئيس ورئيس مجلس الوزراء تعزيز الحوار الجاد والمكثف حول القضايا التي تم الخلاف حولها، بما يساعد على منع ومنع تعميق الخلافات في الشارع إلى طاولة النقاش، الأمر الذي يجب أن تكون مباشرة وصريحة وواضحة وتوضح كافة المخاوف والمؤشرات. يتم طرح الأسئلة على جميع الأطراف للوصول إلى استنتاجات تعكس ما يعتبرونه عاملاً مشتركًا. وإلا فمن المرجح أن تتسع التناقضات وتكون لها عواقب خطيرة للغاية.
ويقول دبلوماسي عربي إن العودة السريعة للنازحين إلى الأماكن التي أخرجتهم منها إسرائيل قسراً أمر ضروري، ليس لأنه سيبطل فتيل الصواعق المحتملة، بل لأنه سيرسل في الوقت نفسه رسالة مزدوجة إلى تل أبيب وداخل لبنان، وهي أن اللبنانيين وليس لدى الشيعة بديل عن مدنهم وبلداتهم وقراهم وأحيائهم. ولن يطردوها مهما كان الثمن، وسيعيدون بنائها مهما كلف ذلك، ولن يحققوا الحلم الصهيوني بأن يكون الجنوب خاليا. فلا وجود إنسانياً يستطيع أن يضمن أمن الوحدة العبرية ومستوطناتها أو حتى مستعمراتها الشمالية، كما أنه لا يمكن لأي منطقة في لبنان، وخاصة المناطق التي استقبلتهم بالأخوة والضيافة، أن تكون بديلاً عن مسقط رأسهم وأصيلهم. تكون أماكن الإقامة. ومع ذلك، سيبدأ القادرون في إعادة بناء منازلهم وشركاتهم ومصانعهم المدمرة أو المتضررة دون الحاجة إلى انتظار المساعدات الخارجية.
وبالتوازي مع ذلك، من المتوقع أن يجري حوار بين القادة الشيعة حول آفاق المرحلة المقبلة، يتضمن مناقشات مسؤولة تهدف إلى استخلاص العبر والاتفاق على المرحلة المقبلة على كافة المستويات. وبحسب المعلومات فإن التعامل مع الطائف سيكون بمثابة ABC الذي سيتعامل منه الثنائي مع الوضع الحالي. وفي هذا الصدد، أصبح معروفاً أن لا حركة أمل ولا حزب الله المدعوم من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، لن يسمحا بالحصرية والحصرية، أي الطرف الآخر، ولا يستطيع أي من طرفي الثنائي أن يفعل ذلك دون التنسيق مع شريكه. أو تجاوزه يتخذ شريكه موقفا. هذه المعادلة أصبحت واضحة لدى الذين يراهنون على تمزق التحالفات داخل البيئة الشيعية.
ولكن يبقى التحدي: ما هي العلاقات مع الشركاء الآخرين في البلاد؟ سؤال عادل، والإجابة عليه لا تبدو سهلة، لكن بشكل عام لا تبدو الصورة بالنسبة للطائفتين السنية والدرزية قاتمة بعد المواقف الواضحة للرئيس نجيب ميقاتي ودار الإفتاء وبقية الطائفة وزعيم الطائفة السابق. زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وزعيم الحزب الديمقراطي اللبناني الأمير طلال أرسلان. وتبقى المشكلة لدى الطائفة المسيحية في ظل المواقف المعروفة والصريحة لـ”القوات المسلحة اللبنانية” وحلفائها من الحرب والحزب، وطريقة تعامل رئيس مجلس النواب مع الانتخابات الرئاسية، ووجود قوى أخرى مثل ز. باسم “التيار الوطني الحر” المتضامن مع الحزب في مواجهة الحرب الإسرائيلية ضده وعلناً ضد “حرب الدعم” وحركة “المردة” المعروفة بتحالفها الوثيق مع المقاومة.
وفي كل الأحوال، لا يمكن لإسرائيل أن تدعي النصر في هذه الحرب، حتى لو تمكنت من اغتيال عدد كبير من قيادات حزب الله، وأبرزهم الأمين العام السيد حسن نصر الله. بسبب الخسائر الفادحة التي لحقت بأفراد الجيش والدمار الكبير الذي أصاب مستعمراتها الشمالية وخسائرها المادية وتراجع معدل نموها هذا العام إلى الصفر بالمائة والشكوك حول عجز النازحين في المناطق الإسرائيلية المجاورة القرى أو القريبة من الحدود مع لبنان العودة إليها لا تقل إيلاما عن الخسائر والإصابات التي لحقت بالمقاومة ومن حولها. صحيح أن الوحدة العبرية ألحقت أضراراً فادحة بالحزب وبالطائفة الشيعية، ومن وراء هذا الضرر أرادت تأجيج نيران الفتنة داخلياً، لكن ستنشب سجالات وستخرج مظاهرات داخل الوحدة، وستنفجر السجالات والتظاهرات داخل الوحدة. وستكون المطالب هي تشكيل لجنة تحقيق في إقامة الحرب لتحديد المسؤوليات، لأن هذه هي المرة الأولى التي تشهدها إسرائيل منذ تأسيسها على يد دولة غاصبة تمركزت بالقوة في بلاد الشام عام 1948، مع حرب بهذا القدر من العنف البشع وخسائر بهذا الحجم، حتى لو لم يكن ذلك باستثناء عدد قليل منهم. وحتى في حرب يوم الغفران، لم يتم تسجيل خسائر بهذه الكمية والنوعية. والأهم أنه بعد إعلان وقف إطلاق النار يأخذ الوضع منحى عدم المواجهة، لأنه إذا حدث العكس فإن الجميع سيدفع الثمن مضاعفاً.