وتنقسم عملية إعادة الإعمار إلى ثلاثة أجزاء أساسية: إعادة إعمار القطاع الخاص، وإعادة إعمار الدولة ومؤسساتها، وأخيراً إعادة إعمار المباني بعد الدمار الهائل، خاصة في الجنوب ومنطقة البقاع والضواحي.
إن إعادة بناء القطاع الخاص تتطلب أولاً رؤية موحدة وواضحة واستعادة الثقة، وخاصة الثقة في المستقبل. لقد سئم القطاع الخاص مراراً وتكراراً من إعادة الإعمار ومن ثم التخريب، ولن يتمكن من إعادة البناء إلا على أساس متين. علماً أن قسماً كبيراً من هذا القطاع قرر مغادرة البلاد دون العودة. أما القسم الآخر، فحتى لو أراد إعادة تأهيل نفسه، فإنه يحتاج إلى تمويل وقروض واستثمارات ومصارف فعالة لإعادة التأهيل.
ونشير إلى أن القطاع الخاص اللبناني هو المحرك الأساسي للاستثمار والتنمية، لكنه يواجه ليس حربا في جوهره فحسب، بل حربا على اقتصاده أيضا، ليتراجع الناتج المحلي الإجمالي من 55 مليار دولار في 2018 إلى 19 وفي عام 2023، لن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي المتوقع 16 مليار دولار إذا استمرت الحرب. لاحظ أننا نتحدث عن اقتصاد أصغر بكثير من ذي قبل، مع انعدام القوة الشرائية والتنمية البطيئة.
إعادة بناء الدولة ومؤسساتها أولوية قصوى. وفي هذا السياق نستذكر ونؤكد أن الحرب المبرمجة والممنهجة ضد كافة مؤسسات الدولة بدأت منذ سنوات والمؤسسات الأخرى المرتبطة بها، وتابعنا أيضاً كيف شنت عليها حرب تدميرية، حول القانون والمؤسسات وتدمير الدولة. حقوق.
ولا يمكن الحديث عن إعادة الإعمار دون استعادة الثقة في القطاع العام، وكذلك الثقة الداخلية والإقليمية والدولية. ونعلم جميعاً أن إعادة إعمار هذا القطاع لا يمكن تمويلها من مواردنا الذاتية أو من الضرائب، بسبب اقتصاد متدهور وشعب مذل ومنهوب. والحل الوحيد لإعادة بناء هذا القطاع المتهالك هو، ولا يزال، إلا من خلال المنظمات الدولية والدول المانحة.
ونذكر هنا أننا، وبعد تجارب باريس 1 و2 و3 ومؤتمر سيدر، فقدنا ثقة كافة صناديق دعم الاستثمار وإعادة الإعمار بعد نهب هذه المساعدات ولم تحقق أهدافها إلا الموارد الضئيلة.
ونتذكر أيضًا أن البلاد خسرت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وبمساعدة البنك الدولي، فشلت في تنفيذ الإصلاحات المرغوبة لعقود من الزمن. والمعادلة الجديدة واضحة: لن يتم تمويل إعادة الإعمار إلا إذا تم بناء الدولة ومؤسساتها بشكل عادل ومنصف.
وأخيرا، وبعد أن يفقد المواطنون فلسهم الأبيض في يومهم الأسود، فإنه من المستحيل أيضا على الناس أن يعيدوا وحدهم بناء الدمار الواسع النطاق الذي نشهده في هذه العملية الضخمة.
ونذكّر ونؤكد أننا نتحدث اليوم عن شعب واقتصاد فقد ودائعه ومدخراته وأرزاقه ويواجه منذ أكثر من خمس سنوات أكبر أزمة مالية ونقدية واقتصادية في تاريخ العالم.
ومن المستحيل أن يعيد هذا الشعب البناء بمفرده. ولكن هل هناك رغبة في إعادة البناء على السحب المتحركة ومن ثم تكرار التدمير من جديد؟
علماً أنه حتى لو وعد البعض بتمويل إعادة إعمار بعض الدول، فإننا ندعو إلى إنشاء صندوق دعم للبنان مع مراقبة وتدقيق ومتابعة دولية، فضلاً عن التدقيق الخارجي لكل عمليات التمويل، حتى لا نخسر. الوقوع في أخطاء الماضي والفساد المستشري منذ عقود.
وفي الختام، إذا أردنا أن نبدأ في عيش حلم إعادة الإعمار والسلام، علينا أن نبدأ بإعادة بناء أنفسنا، ومن ثم إعادة بناء الدولة ومؤسساتها، وهنا نبدأ بإعادة بناء بيوتنا وشركاتنا. اليوم نحن على مفترق طرق. فإما أن نحلم بإعادة إعمار راسخة بإشراف دولة شفافة وحكم رشيد، وإما أن نبقى في كابوس الحرب ونعود إلى كابوس الدويلات وبلد المافيا والفساد.