إن حجم الدمار الإسرائيلي الممنهج والمتسارع في الجنوب وفي منطقة البقاع وفي الضاحية الجنوبية لبيروت وعلى الضفة المستهدفة للهجوم على حزب الله يكشف أمرين:
أولاً: إن إسرائيل، بدعم أميركي غربي، كانت تخطط وتجهز منذ عقود لحرب مفاجئة وشاملة ومفاجئة على لبنان. ساعة الصفر كانت تنتظر ظروفاً إقليمية ودولية مواتية لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد «جثة» حزب الله، أو على الأقل على ركام تقويض قوته. ويتمثل دورهم في توفير جسر أساسي لمهاجمة حركات المقاومة في المنطقة وتحقيق الهدف المركزي المشترك لواشنطن وحلفائها الغربيين وتل أبيب من خلال تعيين إيران رئيسة لهذا المحور. وكشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن ذلك بعد لقائه مبعوثي الرئيس الأميركي عاموس هوكشتاين وبريت ماكغورك: «نحن نغير وجه الشرق الأوسط»، وقال في تصريح آخر: «أنا لا أضع أي شيء». لقد وضعنا أهدافاً واضحة لكسب الحرب، ونحن نتعامل مع الأسلحة ورأس الأخطبوط الإيراني». خطط لتحقيق ذلك».
ثانياً: الأهداف الإسرائيلية تتجاوز شعار الحكومة الإسرائيلية الواضح (القضاء على تهديد “حزب الله” شمال الليطاني وإعادة المستوطنين) وتشمل أهدافاً خفية تتعلق بإحياء كافة المشاريع الأميركية الغربية الإسرائيلية في منطقة لبنان عبر القضاء على محور المقاومة، وخصوصاً «حزب الله»، فهو الصخرة التي تقطع طريق المشروع الأميركي الكبير للمنطقة ومنها إلى العالم أجمع: الاستيطان، التقسيم والتطبيع الخ. تحويل غزة إلى واجهة سياحية وتجارية واقتصادية للمنطقة وكذلك النفط والغاز عبر قناة بن غوريون التي يراد لها أن تصبح مركزا لمشاريع الغاز والنفط والتجارة بين البلدين. شرقاً وغرباً، ويلتقي مع مشروع الممر الهندي الذي يعبر ميناء حيفا في فلسطين بديلاً عن «طريق الحرير التاريخي».
وبحسب تقاطع المعلومات المحلية وتقييم جهات دبلوماسية خارجية، فإن هناك خططاً عسكرية وأمنية ودبلوماسية وسياسية وإعلامية سرية معدة مسبقاً، سيتم تنفيذها بشكل تدريجي ومنهجي وتدريجي، ربما على مدى سنوات، لإضعاف قوة حزب الله وقوته. وباتت حركات المقاومة في المنطقة، بقطع الأسلحة عن إيران تمهيدا لتوجيه ضربة قاتلة لها في الوقت المناسب، بمثابة معبر للوصول إلى إيران. في كواليس الدبلوماسية يدور الحديث عن هجوم مزدوج على موقعين حساسين في إيران، وهو ما سيجهزه سلاح الجو الإسرائيلي بقرار نتنياهو.
فإلى جانب الإجراءات والاتفاقيات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية التي تنفذها الولايات المتحدة وشركاؤها على المستوى الإقليمي، لتمهيد الطريق أمام الإدارة الأمريكية الجديدة لاستكمال إخضاع المنطقة للمشاريع المعروفة، فإن المشروع الإسرائيلي الجيش يعمل على محاور متعددة على الجبهتين اللبنانية والسورية: تكثيف الهجمات على أهداف حزب الله عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً… وملاحقة مسؤوليه في عموم لبنان وحتى في سوريا لحماية الدولة السورية وتستمر في إحراج بيئات الحزب المتطورة بنفس الوتيرة حتى تغير موقفها وتدفعها للضغط على قيادة الحزب للانسحاب وإنهاء الحرب. ويتخوف المعنيون من هدف مركزي لحرب إسرائيل، وهو تغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي في الجنوب ومنطقة البقاع تحت عنوان غير معلن وهو القضاء بشكل مشترك على “الوجود الشيعي” من الحدود مع فلسطين المحتلة وسوريا خطر حزب الله. وقطعت إسرائيل الامتداد الجغرافي والشريان الحيوي للمقاومة الذي يربط إيران – العراق – سوريا – البقاع – جنوباً والبقاع من كل من سوريا والبحرين. جنوباً، وذلك وفق خريطة العملية العسكرية الإسرائيلية في لبنان وسوريا بتدمير مدن بنت جبيل وصور والنبطية وبعلبك، وتفجير القرى الحدودية على طول الشريط الحدودي بعمق 5 كلم ومهاجمة المعابر الحدودية السورية لقصف القصير السورية… بحسب مصادر غربية فإن إسرائيل لن تقبل بعودة سكان هذه القرى حتى بعد وقف إطلاق النار، علماً بحجم الدمار واحتمال تأخير عملية إعادة الإعمار سيجبرهم على العيش في مناطق قروية أخرى أو الهجرة قسراً إلى الخارج.
وضمن الخطة، تم تحويل ملف النازحين (مليون ونصف مليون نازح) إلى أداة ضغط على حزب الله والدولة اللبنانية، ولا سيما على رئيس مجلس النواب نبيه بري، بالتوازي مع إنتاج قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر وفي بعض الأحيان والمصلحة تثير الفوضى أو الفتنة ربما بعد شهرين أو أكثر، حيث يشكل النازحون عبئاً أمنياً واجتماعياً واقتصادياً على المناطق المضيفة:
– إنزالات جوية وبحرية لقوات إسرائيلية خاصة لتنفيذ عمليات (خطف، اغتيالات أو تفجيرات لإرباك حزب الله وإحداث بلبلة وفوضى في لبنان)، بالإضافة إلى اغتيالات لسياسيين لبنانيين لإلقاء اللوم على حزب الله وإعادة الساحة الداخلية إلى الحظيرة. لاعادة التوازن الى الاجواء بعد محاولة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
– تشديد الحصار البري والبحري والجوي على مطار بيروت ومينائه ومعابره الحدودية مع سوريا لتضييق الخناق على حزب الله والدولة اللبنانية.
– احتمال توجيه هجمات على ضاحيتي بيروت الغربية والشرقية لتحريض فصائل أخرى ضد المقاومة وتحميلها مسؤولية “تدمير البصرة”، وتنظيم تظاهرات وحملات إعلامية لدعوة “حزب الله” للرد على التنفيذ للقرارات الدولية تحت شعار “أنقذوا لبنان” بالتوازي مع قصف المنشآت الحيوية والمرافق الرسمية بهدف زيادة الضغط على الدولة لتسييسها للضغط من أجل تقديم تنازلات.
وأخطر ما يخشاه الخبراء في الشؤون العسكرية الإقليمية هو إعادة تعبئة الجماعات المتطرفة في سوريا، مثل “هيئة تحرير الشام” المتحالفة مع أبو محمد الجولاني، لاحتلال الجيش السوري ومحاولة التسلل إليه. على الحدود السورية اللبنانية باتجاه منطقة شبعا للمشاركة في القتال ضد “حزب الله”.
– ضربات جوية متتالية مباشرة على مواقع حساسة في سوريا كرسالة ضغط لقطع الاتصال بين دمشق ومناطق محور المقاومة وتقييد حرية وحركة المقاومة في عموم المنطقة السورية.
مشهد الوقائع والأحداث يعيدنا إلى «خطة بومبيو» لوزير الخارجية الأميركي الأسبق، الذي زار لبنان والمنطقة في حزيران/يونيو 2019، قبل ثلاثة أشهر من اندلاع أحداث 17 تشرين الأول/أكتوبر اللبنانية، على المستوى المحلي والمحلي. وجرت الأحداث وكشفت أجهزة استخبارات دولية وسلطات دبلوماسية حينها عن خطة من خمس خطوات وضعها بومبيو أدت إلى الشارع وانهيار مالي واقتصادي ومصرفي وفراغ في المؤسسات التي من خلالها إقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، ومنع انتخاب رئيس للجمهورية، وفلتان أمني تمهيداً لغزو إسرائيلي للجنوب، والذي إذا حقق أهدافه سينتقل إلى المرحلة النهائية المرحلة الثانية: سيطرتهم على المرافق والشواطئ والمعابر الحدودية في لبنان من قبل القوات الأميركية – الألمانية – الفرنسية، كما حدث عام 1982. إن الحرب على سوريا خلال العقد الماضي وقانون “قيصر” الأميركي ليسا سوى جزء من خطة حصار لبنان وإخضاعه.
تؤكد مصادر مطلعة على الأحداث الجارية أن صمود المقاومة في الجنوب وتعزيز الجبهة الداخلية وإفشال أهداف إسرائيل الحربية حاسم، وتجميد كل المشاريع الإقليمية و”الشرق الأوسط الجديد” ونتنياهو والباحثين عن الأميركيين. ولا يزال محور المقاومة يملك المبادرة والعديد من الأوراق ويقوم بإعداد خطة مضادة وهجمات موجهة ضد أهداف في إسرائيل وقواعد ومصالح أمريكية في المنطقة، من أجل تصميم شرق أوسط جديد لصالح دول المنطقة. منطقة.