لكن قبل ذلك، يبدو أن لبنان يواجه ألسنة اللهب لأسابيع قليلة أخرى، من المرجح أن تجتاح الشهر الحالي بأكمله، بهدف تعزيز أوراق التفاوض وقبل أن يبدأ الجميع بصياغة الحل المتوقع مطلع كانون الأول (ديسمبر) المقبل. ورغم أنه من المقرر أن يتولى الرئيس الجديد رئاسته رسميًا في 20 يناير، إلا أنه من المقرر أن تبدأ اجتماعات فريقه الرئاسي مع مسؤولي إدارة بايدن فور إعلان الفوز رسميًا. وهذا يعني أن الرئيس الأميركي المقبل سيبدأ مشاوراته ويدرس ملفاته ويستعد لبدء ولايته. ويظل ملف الحرب المفتوحة في الشرق الأوسط في مقدمة الملفات التي تحتاج إلى حل، وهو ما يظهر من التعهدات العلنية لكلا المرشحين بأن الحرب ستنتهي بمجرد بدء الولاية الدستورية. ومع ذلك، فإن إحدى المشاكل التي قد تنشأ إذا تم إعلان فوز كامالا هاريس هي رفض دونالد ترامب النتيجة بحجة الاحتيال، كما أشار مرارا وتكرارا، وهو ما يعني قضاء الكثير من الوقت في إعادة إجراء العد اليدوي والحصول على الموافقة. من المحكمة والجهات المختصة.
لكن الطرفين المتصارعين في الشرق الأوسط المعني هنا، إسرائيل وإيران، يدركان تماما أن الإطار الزمني للحرب لم يعد مفتوحا، إلا إذا حدثت مفاجآت كبيرة فيما يتعلق بإعلان نتائج الانتخابات الأميركية.
وفي الواقع، وخلافاً لرأي العديد من المراقبين، فإن مسار الحرب الدائرة في الشرق الأوسط يقع تحت سيطرة وتخطيط الدولة العميقة في واشنطن أكثر من سيطرة الحكومة الأمريكية، مما يؤدي إلى استنتاج مفاده أن هوية الجهة التي تسيطر عليها هي ومن غير المرجح أن يكون للرئيس الأميركي القادم تأثير كبير على الصورة المرسومة للمنطقة. ربما تكون هناك اختلافات في الأسلوب وربما في بعض التفاصيل، لكن الخطوط العريضة تم إعدادها من قبل المؤسسات الأمريكية ذات الصلة من وزارات الدفاع والاستخبارات والأمن القومي، وليس من قبل وزارة الخارجية والمواقع الإلكترونية التابعة لها.
ولهذا السبب بدأت إسرائيل وإيران في بناء استراتيجية المرحلة المقبلة على النتائج التي سترتكز على الأرض، سواء في غزة أو لبنان. ومن الواضح أن الرئيس القادم سيرغب في «اتفاق السلام» كهدية في وقت مبكر من ولايته، والمنطق يملي أن يحذر كل طرف من معارضته في وقت مبكر من ولايته. حتى إيران انزعجت من قيامها في بداية ولاية جو بايدن بتأجيل إبرام الاتفاق النووي باستخدام أسلوب النفس الطويل والحد الأقصى من إضاعة الوقت، مما أدى إلى تأجيل الشروط النووية لأكثر من عام، وقد تغيرت الظروف. مما يدفع الإدارة إلى وضع الملف النووي جانباً وبالتالي فقدان القدرة على رفع العقوبات عن إيران وفك تجميد أصولها.
من جانبه، يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صياغة مطالبه بشأن غزة ولبنان. ومن هذا المنطلق، فإنه سينتقل إلى الفصل الأخير من حربه الدموية ويحاول تحقيق مكاسب ميدانية في الأسابيع القليلة المقبلة لتعزيز حضوره على طاولة المفاوضات. إن الزيارة التي قمنا بها أمس إلى الحدود مع لبنان تشير إلى الأسابيع المتوترة التي تنتظرنا. والرسالة المتداولة في الأوساط الدبلوماسية هي أنه يريد حلاً مستقراً ونهائياً يضمن استقراراً طويل الأمد ويعالج توغل حزب الله بالصواريخ والطائرات المسيرة والأسلحة في لبنان والمنطقة الأمنية الجنوبية. في المقابل، ينتظر حزب الله المواجهة البرية في الجنوب، وقد استعد لها وما زال يستعد لها. وبينما يقر الحزب ببعض الهجمات التي تعرض لها في الجنوب، فإنه يؤكد أن ذلك لا يؤثر على قدراته الفعلية على الأرض. ويشير، على سبيل المثال، إلى أن الأنفاق التي دمرها الجيش الإسرائيلي كانت أنفاقا هجومية، أي أنها كانت تهدف إلى تجاوز الحدود إلى الجليل. ولا تزال الأنفاق الدفاعية قيد الاستخدام. ويركز حزب الله أيضًا على إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا في صفوف الجنود الإسرائيليين وأسر بعضهم. كما أنها تنتظر المدرعات لإطلاق صواريخ الكورنيت التي تمتلكها بكثرة.
وفي الوقت نفسه يظهر التزامه بالقرار 1701 دون أن يؤدي ذلك إلى إلغاء حضوره ودوره كما يرغب نتنياهو.
لكن خلف الكواليس هناك رؤية إضافية تتضمن تفاصيل أكثر تعقيدا.
أولاً، ينصب تركيز حزب الله على المواجهة البرية في الجنوب. فهو يركز مثلاً على معركة الخيام وكيف أن إسرائيل لم تحقق أي نجاحات هناك، بالإضافة بالطبع إلى المعارك الأخرى الدائرة في الجبهات الجنوبية. وغني عن القول أن حزب الله يحاول تعويض الخسائر التي تكبدها بعد اغتيال قادته وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله، مما اضطره إلى الرهان على الميدان في الجنوب. لكن بات واضحاً أن أحد ركائز الحل المتوقع سيكون تنفيذ القرار 1701. لكن المشكلة تكمن في «بعض الإضافات التي طلبتها إسرائيل» والتي كشفت عنها المسودة المسربة. ولذلك، فإن الحريق المتوقع في الأسابيع المقبلة يرتبط بحجم هذه المداخل.
إضافة إلى ذلك، فإن حزب الله على يقين من أنه سيسحب وجوده العسكري شمال خط الليطاني بموجب قرار الأمم المتحدة، ولكن بموجب بروتوكول جديد. من المؤكد أن كل هذا سيحدث في ظل التفاهم الواسع الذي ستتوصل إليه واشنطن مع طهران في جميع أنحاء المنطقة، وهنا النقطة الأكثر أهمية.
لأن واشنطن أصرت على رغبتها في وقف “الوظيفة الإقليمية” لحزب الله. وفي الواقع، تبدو واشنطن واثقة من تلبية مطلبها، حيث تم استهداف قيادة حزب الله بأكملها وتدمير البنية التحتية العسكرية والإدارية للحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي توصف بأنها “مركز عمليات محور المقاومة” في المنطقة. تم الهجوم والتدمير. وبالتالي، ستعمل واشنطن على ترسيخ هذا الواقع الجديد في محادثاتها مع طهران. وهذا يمثل عودة حزب الله إلى واقعه اللبناني البحت. وإذا أضفنا إلى ذلك التطبيق الصارم للقرار 1701، فإن ذلك يعني أن الصورة السياسية لحزب الله تحظى بالأولوية على الصورة التي اعتاد عليها منذ نشأته، والتي بلغت ذروتها عندما تولى السيد حسن نصر الله الدور القيادي للمحور.
لا شك أنه من الصعب التحديد الفعلي للنقاشات التي تجري حالياً في أروقة حزب الله، لكن من المنطقي أيضاً الاعتقاد بأن حواراً داخلياً يجري لمعرفة كل الأخطاء التي حدثت ولماذا أدى إلى. قد يكون السؤال الأول هو ما إذا كان من الصواب، في ظل وجود حكومة إسرائيلية متطرفة، هز “الوضع” القائم في الجنوب وفتح جبهة دعم؟
السؤال الثاني يجب أن يتعلق بالاختراقات الأمنية التي أدت إلى انكشاف قيادة الحزب برمتها. ويقال إن السيد نصر الله طلب التحقيق مع عدد من الأسماء قبل ساعات من استشهاده وكان قد عاد لتوه من زيارة قصيرة إلى دمشق حيث التقى الرئيس بشار الأسد. وسبق أن ألمح نصر الله إلى وجود خروقات محددة عندما أعلن علناً أنه سيحصر القرارات المستقبلية في أضيق دائرة ممكنة.
أما السؤال الثالث فيتعلق بإحياء الورشة التنظيمية الداخلية وتحديد المواعيد اللازمة وفق هيكلية جديدة للحزب. وذلك لأن تعيين الشيخ نعيم قاسم أميناً عاماً للحزب هو ذو طبيعة مؤقتة وتم إجباره لعدة أسباب، منها أن هذا المنصب يشغله لواء. لذلك، فإن إعلان نهاية الحرب يعني أن الحزب سيتفرغ لورشة إعادة التنظيم في الفترة التي تسبق الانتخابات النيابية، التي سيتنافس فيها حزب الله هذه المرة وفق أسلوب جديد يقوم على «إنفاق» قوى شعبه. في إطار هذه الانتخابات. اجلس خالصًا لنفسك ولنفسك وحدك.
السؤال الرابع يتعلق بتأمين الدعم المالي للمفرخ وإعادة إعمار أراضيه وبيوته، وهو عمل أساسي لحزب الله. ويبدو أن قيادة الحزب تلقت وعوداً بنحو 5 مليارات دولار من المساعدات المالية الإيرانية للمساهمة في ورشة إعادة الإعمار. أما الدعم المالي الذي تقدمه إيران، فيبقى هذا مع استمرار دفع رواتب أعضاء الحزب ومسؤوليه في مواعيدها، كالعادة.
وهذا يعني أن الاتصالات البرية عبر سوريا لا تزال موجودة، حتى لو أدت الظروف الضاغطة إلى خفض مستواها إلى الحد الأدنى. وهذا يشير إلى أن خطوط إمداد الأسلحة والذخائر لا تزال موجودة، وإن كان على أقل تقدير.
ويبدو أن حزب الله راضٍ بضم كافة البيئات للعائلات النازحة، وربما في المرحلة المقبلة، ضمن الورشة التنظيمية الداخلية، سيعمل على الحد من ظهور الخطابات الهجومية والاعتماد على خطابات أكثر مرونة وحوارية.
باختصار، يبدو حزب الله راضياً عن وضعه العسكري في الجنوب ويركز على الحصول على خرائط ميدانية يمكنه استثمارها في المفاوضات التي ستلي فترة ساخنة للغاية.