| نتنياهو يراوغ والأسوأ آتٍ

admin29 أكتوبر 2024آخر تحديث :

لقد أبدى بنيامين نتنياهو وشركاؤه في حكومة الحرب استعداداً غير متوقع لتهدئة لبنان وقطاع غزة في الأيام الأخيرة. وبالتوازي، نفذوا هجومًا على إيران يمكن اعتباره إجراءً شكليًا. وسارع البعض إلى اعتبار هذه الإشارات بمثابة مؤشرات على انهيار مفاجئ في القدرات الإسرائيلية. لكن آخرين يحذرون من «الغرق في شبر ماء» مع إسرائيل، مشددين على أن ما يبدو اليوم «امتثالاً» ليس أكثر من تمرين أيام طويلة أوشك على الانتهاء.

ومن يعتقد اليوم أن إسرائيل قد سئمت واستنفدت قدراتها العسكرية والسياسية، فهو متسرع، ولذلك بدأ يلين مواقفه. وفتحت الباب أمام المفاوضات في القاهرة بشأن التسوية في غزة وتوصلت إلى اتفاقات جديدة مع عاموس هوشستين بشأن التسوية في حرب لبنان وقررت عدم شن هجمات ضد إيران. وهذا له آثار استراتيجية. وقبل أيام اقتنع الجميع بأن نتنياهو مصر على رفع حد التصعيد محلياً وسياسياً إلى الحد الأقصى، ورفض الاستيطان والتحضير لحروب طويلة جداً في غزة ولبنان، والتحضير لهجمات ضد إيران ونظامه وما يمتلكه من قدرات نووية وتوسعية.

واللافت أن بعض الأصوات العربية في البيئة السياسية والإعلامية ذات الصلة قررت سريعاً الاستفادة من “ليونة” إسرائيل لرفع الغطاء من جديد واستعادة الخطاب الذي كان سائداً في غزة ولبنان قبل اندلاع الحرب. معنى هذا الخطاب هو أن إسرائيل غير قادرة على خوض حرب مع حماس وحزب الله وإيران لأنها لا تستطيع تحمل الخسائر المتوقعة في الأرواح، مدنية وعسكرية، ومجتمعها لم يعد مستعدا لتعطيل الاقتصاد لأنه أصبح لا أساس لها من الصحة وضعيفة الأعصاب.

لكن هذه النظرة لإسرائيل واستعداداتها للحرب تظل متحيزة ومبالغ فيها. أثبتت الحرب في لبنان وغزة المستمرة منذ أكتوبر 2023، أن حكومة اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل خاطرت بمصير 250 رهينة وواصلت الحرب في غزة، ويبدو أنها مصممة على الاستمرار عليه لعدة أشهر وربما سنوات. هذه الحكومة، رغم خسائر الجيش، أظهرت أيضاً شراسة في الحرب ضد حزب الله، وتغلبت على أزمة النزوح والتعطيل الجزئي للدورة الاقتصادية في الشمال.

خلاصة القول، لا يبدو منطقياً الاعتماد على «هشاشة» الإسرائيليين في مواجهة الحرب. بل على العكس من ذلك، أصبح من الواضح أن الهشاشة الحقيقية تعصف بلبنان وقطاع غزة، حيث الضحايا بالآلاف لأنهم بلا مأوى ويعانون من الجوع والعطش والمرض، وقد دمرت منازلهم وبنيتهم ​​التحتية ودُفنت عائلاتهم تحت أنقاضها.

فهناك من يتساءل: ما سبب المرونة المفاجئة التي تبديها إسرائيل منذ أيام في غزة ولبنان، وما الدافع للقيام بعملية ضعيفة ضد إيران بعد أن هددت معها بهجمات زلزالية. ؟

ويؤكد العارفون أن ما تقوم به إسرائيل اليوم هو مناورة سياسية لا أكثر. وفي الخلفية اليوم، يدرس نتنياهو وشركاؤه في الحكم إدارة الرئيس جو بايدن، التي قدمت لهم كل أنواع الدعم العسكري والسياسي، وتعهدت بمضاعفة هذا الدعم بعد الانتخابات إذا فازت كامالا هاريس. ويقال إن نتنياهو حصل على تعهدات من بايدن بشراء كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة التي سبق أن طلبها الجيش من واشنطن، في حين لا تزال الترسانة البحرية ونظام ثاد الدفاعي متاحين.

وبناء على هذه الالتزامات، قرر الإسرائيليون احترام رغبات إدارة بايدن في تحقيق انفراج في الشرق الأوسط، ولو بشكل يسمح للديمقراطيين بإعلان نجاحهم في تخفيف التوترات واستخدام ذلك لصالحهم في الانتخابات. ولذلك أبدى نتنياهو استعداده للدخول في جولات مفاوضات، حتى لو كانت رسمية، بشأن غزة ولبنان. كما أجرى الإسرائيليون عملية عسكرية منسقة مع طهران للإشارة إلى أن الهجوم الموعود قد حدث بالفعل وانتهى وأن هذا هو مداه.

لكن في الواقع كل هذا يتم حسابه بعناية في إسرائيل. يرسل نتنياهو بشكل استباقي بعض الإشارات الإيجابية إلى هاريس ويتوقع منها أن ترد بالمثل على هذا الدعم إذا فازت في الانتخابات. سينفقها في المطالبة بشراكته في قيادة الضربة الاستراتيجية الموعودة ضد إيران. وإذا فاز ترامب، سيكون من السهل تحقيق شراكة واشنطن مع إسرائيل في كل حروب الشرق الأوسط، وخاصة في مهاجمة إيران، لأن شعار حملة ترامب اليوم هو مهاجمة إيران والقضاء على نفوذها النووي والتوسعي.

ولذلك فإن ما يبدو مرونة إسرائيلية اليوم سينتهي على الأرجح في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر). ومن ثم، وعلى ضوء النتائج، سيفتح نتنياهو سوقاً مع واشنطن حول «الأجندة» التي يريد تنفيذها. وبينما يستعد نتنياهو للأسوأ والأصعب، على طهران أن تضع خطة لتجنب التكاليف المتوقعة والحد منها. ومع ذلك، لا يبدو أن أحداً قادر على التقليل من حجم الكوارث في لبنان وغزة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة