ويطال تأثير هذه الحرب كافة القطاعات الإنتاجية، خاصة تلك التي بدأت بالنمو من جديد بعد الانهيار المالي والنقدي.
نبدأ بقطاع السياحة في صيف 2023، حيث اجتذب أكثر من 3 مليارات دولار من خلال عودة الحركة السياحية إلى الناتج المحلي الإجمالي، وكنا نأمل أن نجمع بين هذا الموسم الناجح ونهاية الموسم الواعدة. ولكننا فوجئنا بفتح جبهة الدعم في أكتوبر 2023، مما دمر كل آمالنا ورؤانا في التعافي. وخسر لبنان أهم ثلاثة أشهر بدءاً من نهاية العام 2023، لكن هذا القطاع المفيد تدمر أيضاً في العام الحالي 2024. وبلغ العجز للاقتصاد اللبناني نحو 4 إلى 5 مليارات دولار.
أما القطاع الصناعي، الذي بدأ ينهض من الماء ويبدأ في إعادة التطور والنمو بعد خمس سنوات من الركود والتراجع، فإنه يواجه مرة أخرى زيادة هائلة في إجمالي الإنتاج وتكاليف التأمين وتكاليف النقل ونقص في الموارد البشرية. العمالة، إضافة إلى جزء كبير من الصناعات التي دمرت في جنوب لبنان وجزء آخر من الصناعات التي اضطرت إلى وقف الإنتاج.
الخسارة الأكبر لهذا القطاع هي فقدان ثقة العملاء الدوليين الذين لم يتجرأوا على تجديد طلباتهم في بلد غير مستقر مثل الخوف من عدم التسليم. ويواجه القطاع التجاري أيضاً خسائر فادحة، إذ امتنع عن تخزين الإمدادات خوفاً من اشتداد الحرب والغارات في كل مكان. ويقتصر هذا القطاع على استيراد بعض المواد الأساسية باستثناء السلع الكمالية وغيرها.
القطاع الذي يدفع ثمناً باهظاً جداً هو القطاع الزراعي، فأهم أراضينا الخصبة، البقاع، تتعرض لقصف يومي وتدمير مبرمج وممنهج. أما القطاع الزراعي في جنوب لبنان فهو يواجه استراتيجية الأرض المحروقة والقنابل الفسفورية التي تضربه منذ عام. لقد احترقت أشجارنا، وخاصة الزيتون، وقُتلت الماشية في هذه المنطقة الخصبة. وعندما تنتهي الحرب، سيحتاج هذا البلد إلى أكثر من خمس سنوات لاستعادة خصوبته الزراعية.
وعلى مستوى قطاع التكنولوجيا والاتصالات، من الممكن أن ينقطع اتصالنا واتصالاتنا في أي وقت، حتى لو لم نعد نتواصل مع بعضنا البعض، وسننقطع تمامًا عن العالم دون اتصال أو إنترنت أو أي شيء من هذا القبيل بالنسبة للقطاع المالي والنقدي والمصرفي الذي انهار وخسر كل رؤوس أمواله، كانت هذه حرب حولته إلى شبح، أو بالأحرى ما يسمى بـ«البنك الزومبي».
وللأسف، لبنان عام 2024 لا يشبه لبنان الذي عاش حرب 2006، ولا يمكن مقارنة شعبه واقتصاده بالوضع قبل 18 عاماً تقريباً. ومن المؤسف أننا فقدنا كل عناصر المواجهة، ولكننا فقدنا أيضاً عناصر الثبات، والأخطر من ذلك أننا فقدنا عناصر إعادة الإعمار والثقة والرؤية والأمل. لم يبق للبنانيين سنت واحد ليومهم المظلم، لكنهم فقدوا مدخراتهم ووظائفهم وأصبحوا غير قادرين على تأمين أبسط الاحتياجات الأساسية والإنسانية مثل الغذاء والدواء والاستشفاء والتعليم لأطفالهم.
أما الاقتصاد اللبناني، فبعد خمس سنوات من التدهور والانهيار، أصبح في حالة خراب وخسر ليس فقط المستثمرين الخارجيين، بل قبل كل شيء المستثمرين الداخليين.
أما القطاع العام المنهك منذ أكثر من خمس سنوات، فمؤسسات الدولة تنهار أكثر فأكثر دون أن تتمكن من ضمان الحد الأدنى من احتياجات المواطنين وهذه الدولة لم تعد في وضع مالي ومادي يسمح لها بالصمود في سبيل ذلك. ولتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات المعيشية، يواجه الاقتصاد أيضاً… التضخم المفرط في لبنان هو سبب ارتفاع أسعار النقل والتأمين، ولكنه أيضاً سبب التضخم الدولي الذي يؤثر علينا أيضاً.
باختصار، لقد انهار اقتصادنا وانخفض الناتج المحلي الإجمالي من 50 مليار دولار إلى حوالي 19 مليار دولار منذ عام 2019 بعد الأزمة المالية والنقدية. وهي الآن تواجه حرباً تخريبية تقدر خسائرها بحوالي 15 مليار دولار، والواقع الحالي يدفعنا إلى توقعات لا تبشر بخير سوى الاستمرار في استراتيجية التدمير والأرض المحروقة في بلادنا . لا شك أننا لم نستسلم ولن نستسلم، لكن سيكون من الصعب إعادة البناء هذه المرة دون رؤية موحدة وأسس متينة تحترم مفهوم الدولة ومؤسساتها وآجالها الدستورية.