من غلبة «الممانعة» إلى غلبة الدولة

admin21 أكتوبر 2024آخر تحديث :

الأزمة التي امتدت عدة فصول منذ عام 2005، ليست طائفية ولا تشبه أزمة 1958 أو حرب 1975، بل هي أزمة خلاف عميق بين مشروعين، بين من يريد ربط لبنان بمسارح لبنان. “محور المقاومة” على قاعدة سلاح خارج الدولة، وهو الذي يتحكم في مفاصل الدولة وقرار الحرب، ومن يريد تحييد لبنان وأن الدولة، مثل كل دولة في العالم، هي الدولة صانع القرار الوحيد على المستوى السيادي.

وبينما كان أحد جوانب أزمتي 1958 و1975 هو البعد الخارجي للصراع على المستوى الإقليمي، والذي لا يخرج بأي حال من الأحوال عن سياق المواجهة الحالية، فإن الجانب الآخر كان يتعلق بالتمثيل العادل والشراكة السياسية دعوة السيد حسن نصر الله لحضور أحد المؤتمرات التأسيسية وانسحابه لاحقاً من هذه الدعوة، حيث لم يكشف حتى عن مضمون التغييرات التي يريد إدخالها على النواة السياسية للنظام، إذ لم يصدر حزب الله أي شيء يشير إلى ذلك. كان ذلك مقابل الأرباح وستسلم القوى الاستبدادية أسلحتها للدولة. بل كان يؤكد دائماً على الأهمية المركزية لسلاحه ويرفض أي نقاش حول السلاح الذي يشكل محور الانقسام منذ العام 2005. وهذا يؤكد أن الهدف الأول هو ربط لبنان بإيران وعدم البحث عن تمثيل عادل في حال كان هناك من يعترض على هذا التمثيل وهو غير موجود.

كلمة الحقيقة هي أنه على الرغم من الخلاف المزمن بين المسيحيين والسنة حول مسألة «أي لبنان نريد»، إلا أنهم تمكنوا من وضع الأساس لدولة لم يكن من الممكن بناؤها في الولايات المتحدة وتحويلها إلى دولة. لولا وحدتهم في الشرق الأوسط، وقبل كل شيء، قدرتهم على تجاوز الخلافات العميقة في التوجهات السياسية وتداخلهم في مشروع الدولة في مراحل عدة، بدءاً بميثاق 1943 مروراً بميثاق 1943. انتهت أزمة 1958 إلى حرب 1975 بصياغة «وثيقة الوفاق الوطني» في الطائف بحلول 2005 وانتفاضة 14 آذار تحت عنوان «لبنان أولاً» و«الدولة أولاً»، فيما لم يكن من الممكن الاتفاق على حل سياسي. مساحة مشتركة مع حزب الله متجسدة في الدولة.

كما أن هناك كلمة حق مفادها أن الخلاف على السلطة هو مسألة ثانوية مقارنة بالخلاف على دور لبنان الذي كان دائما في قلب وجوهر الخلاف بين من يريد وضعه في قلب سياسة لبنان الإقليمية. محاور ومنصة تقدمية للمواجهة، ومن يريد تحييده عن هذه السياسة، وفي كل مرة كان التحييد ناجحاً وفي كل مرة فشل التحييد، انحدر لبنان إلى الحروب والفوضى.

وفي وقت كان لبنان يعاني من الصراع الدائر على الأسلحة وأزمة الشواغر الرئاسية، حدثت عملية طوفان الأقصى وما تلاها من حرب الدعم التي أعلنها حزب الله. هذه التطورات أدت إلى انقلاب الأولويات، وغرق لبنان في حرب، لتصبح قضية خلاف جديدة على… السلاح، لأنه لا يجوز اتخاذ مثل هذا القرار الخطير من خارج المؤسسات وبعيداً عن أي إجماع. وتأثيراته تطال جميع اللبنانيين. وأدت هذه الحرب غير المتوقعة إلى تغيير استراتيجي في سياسة التسامح الأميركية تجاه إيران ودورها، لأن أولويتها هي الدفاع عن وجود إسرائيل الذي يهددها. في عملية الطوفان، الضوء الأخضر الممنوح لنتنياهو يظهر قراراً أميركياً إسرائيلياً بإبقاء إيران على مسافة دنيا من قطاع غزة وحدودها في لبنان وسوريا.

الأشهر القليلة المقبلة ستكون كافية لإنهاء الدور العسكري لحماس وحزب الله والميليشيات الإيرانية في سوريا. ومن يعقد مقارنة بين هذه الحرب وحرب تموز (يوليو) 2006 فهو مخطئ، لأن الوضع مختلف جوهرياً، فلم تكن إسرائيل هي التي بدأت هذه الحرب، بل حماس و”حزب الله” وخليفتهما إيران، هم الذين يتحملون المسؤولية بالتالي. من أجل ذلك معًا وتضامنًا بدء الحرب وعواقبها. ومن هذه النتائج اللبنانية أن لبنان لن يذهب إلى الحرب، وسيظل حزب الله ساحة متقدمة لإيران، ما يعني أنه سيخسر سلاحه ودوره الإقليمي. لكن هل يعني هذا أن طرفاً في موقف المهزوم والطرف الآخر في موقف المنتصر؟ هل البيئة الشيعية بحاجة إلى الطمأنينة أم إلى الانفتاح؟

إن الوضع الذي نشأ منذ عام 1990 يمثل مشروع هيمنة محور المقاومة على كل اللبنانيين، وتسليم حزب الله السلاح لا يعني بأي حال من الأحوال بداية مشروع هيمنة جديد، بل يمثل تصحيحاً، وتصويباً. ونقل الواقع اللبناني من المنتصر والمهزوم إلى لا منتصر ولا مغلوب، لأنه بهذه الطريقة تتحقق المساواة بين جميع اللبنانيين، فلا سلاح لأي فئة تحت أي مسمى والجميع تحت مظلة لبنان. الدولة والدستور.

معادلة الرئيس صائب سلام خرقت باحتفاظ حزب الله بسلاحه منذ عام 1990، وتسليم سلاحه يحيي تلك المعادلة، ومن يحاول تصوير العكس فهو إما متأثر بالرواية التي تحاول خداع اللبنانيين بشأن الاحتفاظ بسلاحه أمر طبيعي وضروري، أم أنه رواية مفبركة في محاولة لاستعادة القديم، وهو ما أصبح مستحيلاً بسبب الضوابط الدولية والإقليمية على المشروع الإيراني.

إن تخلي حزب الله عن سلاحه لا يعني بأي حال من الأحوال هيمنة مسيحية أو سنية أو درزية على الشيعة، وهذه الهيمنة كانت ستتحقق لو كانت أحزاب هذه الطوائف مسلحة وأرادت الاحتفاظ بسلاحها، بينما العيب وقد تم الشكوى منه منذ عام 1990، حيث رفض الحزب التخلي عن أسلحته واستمر في متابعة المشروع. انتصار يترك لبنان في ساحة الحرب والفوضى.

هناك فرصة حقيقية اليوم للتخلص من معادلة الرابحين والخاسرين التي تحكم لبنان منذ 34 عاماً والانتقال إلى معادلة بلا رابحين وخاسرين تعيد الاستقرار والدور الحقيقي للدولة. ورغم أن هذا الأمر هو من أبسط البديهات لدى معظم اللبنانيين الذين يريدون دولة فعلية، إلا أن قسماً شيعياً لا يستهان به يعتقد أن تسليم «الحزب» إلى أحضانه يعني إضعاف الشيعة في النظام اللبناني، وذلك بالطبع بسبب لحالة التعبئة والأيديولوجية وغسيل الأدمغة التي تسببت في ذلك، فهذه الشريحة تعودت على الإفراط في السلطة وانشغلت بالاستثناء الذي يفرض بالقوة كقاعدة ومشكلة طبيعية، ولا بد من معالجة هذه الشريحة والتعامل معها. معها علناً، لأنه لا مصلحة وطنية أن يشعر أي فريق بالخوف والهزيمة والإقصاء، ورغم أن هذا الشعور غير صحيح، إلا أنه واجب وطني التأكيد على ما يلي:

أولاً، المواجهة التي تمتد على عدة فصول في لبنان، بدءاً من العام 1990 وتنتهي في العام 2005، ليست مواجهة طائفية، بل هي مواجهة بين من يريد دولة حقيقية وطبيعية كأي دولة في العالم وبين من لا يريدها. نريد أن يكون لبنان جزءاً من محور إقليمي.

ثانياً، قناعة معظم الطوائف والأحزاب بأن لبنان لا يحكمه حزب أو طائفة بل شراكة، وأن أي محاولة للهيمنة مآلها الفشل الحتمي وعدم الاستقرار، وهم يشاركون في بناء الدولة الحالية.

– ثالثاً، مشروع «حزب الله» يمثل مشروع هيمنة في وطنه يتناقض مع الدستور والميثاق، وزوال مشروع الهيمنة لن يكون في مصلحة أي مشروع هيمنة آخر، بل في مصلحة الوطن. مصلحة مشروع الدولة، وهي المساواة بين جميع اللبنانيين.

رابعاً: الادعاء المتعمد بأن إسقاط مشروع «حزب الله» يؤدي إلى تهميش غير مبرر للشيعة ولا علاقة له بالواقع أو حقيقة ما حدث للطوائف الأخرى، هو سببه مشروع الحزب نفسه الذي يستهدف الجميع بدفع من الهامش الذي كان ضد مشروعه وأحد أسباب هذا التهميش هو غياب دور الدولة، وعندما تستعيد الدولة دورها لن تكون هناك فئة أو مواطن يشعر بالإقصاء.

خامساً: الطائفة الشيعية، بانتماءاتها الروحية والحزبية والنخبوية، مدعوة إلى نقاش داخلي لتقييم تجربة ارتباط أحد أحزابها بالمشروع الإيراني. فهل خدمت هذه الجمعية هذه الطائفة أو أضرتها أو أهانتها؟ هو – هي؟ كيف استفاد المواطن الشيعي من الارتباط بالمحور الإيراني؟ فهل هدف هذا المواطن الحياة في دولة مستقرة أم في حروب دائمة؟ ومهما كانت الأسئلة، فإن هذا المجتمع مدعو إلى النظر بجدية إلى تجربة أثرت سلبا عليهم وعلى جميع اللبنانيين.

سادسا، علينا كلبنانيين أن نتفق على أن الثابت هو الدولة، التي لها وحدها السيادة والحدود وصلاحيات اتخاذ القرار، ولا سيادة فيها إلا لمن يلتزم بالدستور والقوانين. ما هو متغير: النظام سيطرح للنقاش في المرحلة المقبلة لخلق نظام لامركزي يحاكي العصر ويهدئ الهموم ويجسد تعددية لبنان.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة