في أدبيات النخبة السياسية والصحفية الإسرائيلية، لا بد أن تؤدي الحرب التي شنها بنيامين نتنياهو على لبنان إلى تغييرات كبيرة على الأرض بهدف فرض نظام جديد، بعد أن تسببت في فوضى كبيرة واضطراب أكبر، يسهل فرضه بالقوة. هذا البلد إلى ترتيبات سياسية وأمنية تجعل منه ساحة خلفية مفتوحة لجيش الدولة وملاذاً آمناً له.
وهذا الأدب خطير للغاية، وكأن مؤلفيه يقرأون ما في أيدي وعقول القيادة الإسرائيلية، ويكشفون أسرار خططهم الخفية. ومن الواضح أن إسرائيل لن تكتفي بما تقوم به من تدمير وقتل وتهجير قسري وقطع شرايين الحدود اللبنانية السورية والطرق الرئيسية بين المناطق، ولا حتى بالمطلب اللبناني الأحادي بوقف إطلاق النار والموافقة على تنفيذه. القرار الدولي 1701 لأنه يريد ترتيبات أمنية. استراتيجية تنأى بنفسها عن التهديدات التي ستشكلها المقاومة إذا لم يتم حل الحرب على الأرض بشكل كامل، وتبقى قوة سياسية فاعلة على الأرض لديها القدرة على إعادة هيكلة بنيتها العسكرية والأمنية في المستقبل. وهي لا تريد وجوداً لحزب الله في منطقة عمليات قوات اليونيفيل وفي كامل المنطقة شمال الليطاني وما وراءه. ويمكن القول إنها بعد تطبيق سياسة الأرض المحروقة تهدف إلى نوع من “الأرض الحرام” ولن تسمح للنازحين بالعودة إلى ديارهم وأراضيهم ومواصلة حياتهم الطبيعية إذا ساعدت الأوضاع. لكن السؤال هو: على من تنطبق الأنظمة التي تطلبها الدولة العبرية (بما في ذلك الحرف “t”): هل يجب على المواطنين الذين يملكون الدولة المستهدفة أن يرفضوا العودة إلى مدنهم وقراهم ومصالحهم وحقولهم والاحتفاظ بها؟ في الأماكن التي لجأوا إليها هرباً من هجمات طائراتهم وطائراتهم المسيرة وصواريخهم وقذائفهم؟ ولم تؤكد المعلومات والمتابعة والتحليل حتى الآن أن الانفصال بين الحزب وبيئته أمر ممكن. ومن الصعب للغاية التنبؤ بما إذا كان هذا سيحدث في المستقبل المنظور قبل أن ينقشع غبار الحرب.
لكن خطورة ما تتفق عليه معظم النخب الصهيونية هي أن ما تطالب به من اضطرابات وفوضى لن يؤدي إلا إلى الصراع والحرب الأهلية، من خلال العمل الدؤوب والممنهج لإثارة الصراع واستغلال مشاعر الغضب والخوف على المصير بين النازحين والمهجرين. المجتمعات المضيفة التي يسودها الخوف من اضطهاد النازحين. وخارج الجنوب، الضاحية والبقاع باتجاه جبل كسروان-الفتوح، شمالاً هرباً من مجازر نتنياهو، مما يؤدي أحياناً إلى حذر مختلط مع أسئلة بلا إجابة. والنتيجة: استياء متبادل وشكوك متزايدة وتساؤلات تحمل الكثير من الشرعية لكلا الجانبين. وتراهن إسرائيل على أن الشعور الوطني والإنساني لدى اللبنانيين، الذين استقبلوا مواطنيهم بلطف وضيافة، كما هو واضح حاليا، لن يستمر في النمو، وليس هناك أي مؤشر على الخروج عن الموقف الإيجابي، أولئك الذين لديهم لقد عبروا عن أنفسهم بصراحة وصراحة. لكن الضغط على الجميع كبير، ولأن إسرائيل تدرك هذه القضية التي سببتها حربها الوحشية، فإنها تستثمر فيها لخلق سلسلة من المواجهات الداخلية، تمهيداً لصراع متنقل في المناطق ضد طائفية حقيرة وأخرى متطرفة. قاعدة مذهبية حقيرة وتدل على كوارث تهدد الأمة في أسسها وتغرق حياة الفرد في التراب. وهذا ما تريد الدولة العبرية أن تفعله خلف الفوضى والاضطراب الذي تتوقعه نخبها. في مطابخ هذا البلد هناك من يعتقد أن الهجوم على البنية التحتية الأساسية للبنان ضروري لتسهيل الوصول إلى «هذين الأمرين: الفوضى والضجيج».
إن الدولة اللبنانية لا تملك الوسائل اللازمة لدرء التهديدات، وظهور هذا الصراع – لا سمح الله – سوف يعجل بزوال ما تبقى من بنيتها المتهالكة بالفعل. وخلافاً لما يعتقده البعض، خاصة أولئك الذين ما زالوا يأملون في دور أميركي بناء، سيكون من الصعب جداً استعادة الدولة ولن يتمكن أي من الطرفين من الادعاء بأن منطقته “بصحة جيدة” ومعزولة محيطة وأخرى. المناطق المتصلة. وبالطبع فإن إسرائيل لن تكون بمنأى عن تأثيرات الوضع الجديد في المناطق التي ستحتلها -إذا كانت قادرة على ذلك- أو حيث ستكون هناك اتفاقيات لا تحظى بموافقة المقاومة لأن شعبها إن الدول التي لا ترغب في ذلك سوف تكون قادرة على التعايش مع الواقع الذي قد يبرز، وسوف تعود المواجهة بطريقة تذكرنا بفترة ما بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982.
فالحرب لا تزال مستمرة ومفتوحة على كل الاحتمالات، والحديث عن طرد الشيعة اللبنانيين إلى العراق يجب أن يتوقف، حتى لو جاء ذلك على سبيل التحليل والتكهنات ممن يصفون أنفسهم بـ«الخبراء الاستراتيجيين في معظمهم». لا أعرف كيف أتهجى كلمة «إستراتيجي»، لأن كل الطوائف اللبنانية هي ابنة أرضها وتاريخها وجذورها، ولا ينطبق عليها «الترحيل» القسري أو الطوعي. ومن المفيد التذكير بالموقف المسيحي الجامع عندما زار المبعوث الرئاسي الأميركي إلى لبنان دين براون الرئيس سليمان فرنجية في مقره الرئاسي المؤقت في بلدة الكفور كسروانية عام 1976 وعرض عليه ترحيل المسيحيين إلى ولاية نيفادا للامتثال للتهرب. تداعيات الاجتياح المحتمل لأراضيهم من قبل قوات الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية وكيف رد بالرفض القاطع والإصرار على الصمود مهما كان الثمن. مثل هذه الأحاديث تزيد من وتيرة الكراهية، وتؤجج نيران الاستياء، وتدفع الوضع نحو انفجارات مدمرة، تؤثر شظاياها على الجميع. لكن الرد على هذه التحليلات ومن يروج لها في هذا السياق هو أنه لا يوجد أي مكون يريد أو حتى يرغب في تجاوز أي مكون آخر.
وبطبيعة الحال، فإن سعي إسرائيل إلى إقامة نظام جديد للبنان يتوافق مع أمنه الاستراتيجي لن يتوقف – كما يتوقع المحللون – بعد الحرب الظالمة التي شنتها في تحد للقوانين والمواثيق والأعراف الدولية. لكن من يستطيع أن يتنبأ عملياً من هو هذا «النظام الجديد»، ومن سيجني ثماره في الداخل والخارج، وهل سيكون قابلاً للحياة أم هشاً إلى أقصى درجة من الهشاشة، فيصبح بذلك نتاجاً لنظام أشد شراسة وقسوة مؤلماً. الصراعات والحروب.
إذا كان “بدء الحكمة هو مخافة الله”، فيجب على الجميع أن يكونوا حكماء ويخافون الله. ويجب وقف أي «فوضى واضطرابات» في لبنان لئلا تؤدي إلى الموت. لبنان لن يسقط ولن يموت.