ومن الصعب أن نتصور مجتمعا، مهما كان بدائيا، بلا ثقافة، ولا مجتمع مهما كان أميا أو فقيرا، بلا مثقن، ناهيك عن مجتمع متعلم، حديث، مدني ومزدهر مثل مجتمع الإمارات.
الإمارات الجديدة، الإمارات اليوم مليئة بالنشاط الثقا اليومي والمستمر، دبي والفني والفكري والعلمي على مدار العام. إن إمارات القرن الحادي والعشرين غنية بالكتاب والشعراء والمؤلن والباحثين والأكاديميين، ذكوراً وإناثاً، من مختلف الأجيال، ومن مختلف التخصصات المعرة.
لكن التقدم الثقا والأدبي والفني الإمارات لم يصاحبه حركة نقد أدبية وفكرية. وكتب النقد الأدبي نادرة، وعدد النقاد من مواطنين ومقيمين أكثر من متواضع. وهناك تخوف من ممارسة خطاب النقد الذاتي ظل سيطرة خطاب تمجيد الذات.
ورغم ذلك فقد ظهر نشاط النقد الأدبي الآونة الأخيرة على شكل إصدارات وندوات ومنتديات فكرية وجلسات نقدية. ولعل اسم الدكتورة مريم الهاشمي من أبرز الأسماء الفضاء النقدي الإماراتي، وأصبح لها حضور أدبي المشهد الثقا الإمارات.
وللدكتورة مريم أعمال جادة مجال تخصصها وهو النقد الأدبي. صدر لها أول كتاب بعنوان مراثي المدن والممالك بين بغداد والأندلس: دراسة مقارنة بين سعدي الشيرازي وأبي البقعة الرندي، وهو الأصل أطروحة دكتوراه. بعد ذلك جاءت سلسلة من الإصدارات التي ركزت على الإنتاج الأدبي الإماراتي وحملت العناوين التالية: تطور الحركة الشعرية الإمارات، وجوه ماريا، غرابة المدني: دراسة نقدية وتحليلية للشاعر الإماراتي أحمد. أمين المدني، وكتاب بعنوان الطبعة الجديدة.
و عام 2024 أصدر مركز أبوظبي للغة العربية كتاباً نقدياً قيماً بعنوان التحولات السردية الأدب الإماراتي: دراسة فنية. ويأتي هذا الكتاب الجديد تتويجا لإنتاجها الفكري والنقدي الذي يبحر بعيدا ويتعمق الإنتاج الروائي الإماراتي الواعد.
تركز الدكتورة مريم الهاشمي هذا الكتاب على نشأة فن الرواية وتطوره دولة الإمارات. الخمسين سنة الأخيرة، ظهرت الإمارات ثلاثة أجيال من الروائيين. وكان الروائي والوزير السابق راشد عبدالله النعيمي، صاحب رواية “الشاهندة” التي صدرت عام 1971، رائداً من رواد ذلك الجيل الأول من الروائيين الإماراتيين. وما ميز الإنتاج الروائي لهذا الجيل هو أنه لم يستمر كتابة الروايات بعد الطبعة الأولى. واقتصر إبداعه على نشر رواية واحدة يتيمة، وسرعان ما انسحب من الساحة الثقاة.
وبعد جيل الرواية الواحدة، ظهر الجيل الثاني من الروائيين الإماراتيين التسعينيات. ومن رواد هذا الجيل الروائي ثاني سويد صاحب رواية بعنوان الديزل التي صدرت عام 1994، والشاعر والروائي كريم معتوق صاحب رواية حدث اسطنبول الصادرة عام 1996. ما يميز هذا الجيل هو أنها جمعت بين الشعر والرواية وكانت أقرب للشعر من امتلاكها لفن الرواية وتقنياتها الزمانية والمكانية والحوار الحديث.
ثم ظهر الجيل الثالث من الروائيين الإماراتيين مع بداية القرن الحادي والعشرين وظهور الإمارات الجديدة، ووضع أسس الرواية الإماراتية الحديثة شكلاً ومضموناً وإبداعاً. وحقق هذا الجيل نقلة نوعية الروايات، مع إنتاج مستمر، وفاز بجوائز أدبية مهمة، من بينها جائزة البوكر للرواية العالمية. و طليعة رواد هذا الجيل الثالث من الروائيين الإماراتيين ميسون القاسمي، وصالحة عبيد، وريم كمالي، التي نشرت ثلاث روايات: سلطنة هرمز عام 2016، وتمثال دلما، الحائزة على جائزة الشارقة للإبداع عام 2018. ، و”مذكرات الوردة” عام 2023، وهي أول رواية إماراتية تصل إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العالمية لتنافس أفضل إنتاج روائي عربي. لكن أكثر ما يميز إنتاج هذا الجيل الثالث من الروائيين الإماراتيين هو الحضور النسائي الكثيف.
وتقول الدكتورة مريم الهاشمي كتابها القيم إن ما يميز الإنتاج الروائي للأجيال الثلاثة من الروائيين الإماراتيين هو قدرتهم الإبداعية على مواكبة تحولات الخمسين سنة الماضية من تاريخ الإمارات. استوعب الجيل الأول من الروائيين سنوات التكوين الصعبة وعبّروا عنها روائيًا. بينما يواكب الجيل الثاني من كتاب القصة الإماراتيين التحولات الاجتماعية والفكرية والقيمية والحياتية السريعة سنوات التطور والتجديد والانفتاح. أما الجيل الثالث، فهو نتاج الإمارات الجديدة، بنموذجها التنموي المدني الحديث، وصعودها كقوة إقليمية صاعدة، ورحلتها نحو العولمة.
و قراءتها النقدية الجادة للمنتج الروائي الإماراتي، قالت د. مريم عدة استنتاجات، منها أن الروائيين الإماراتيين أخذوا على عاتقهم أن تكون لهم شخصية روائية وطنية جادة. ومع ذلك، تناول الروائي الإماراتي مشاكل اجتماعية، مثل مشكلة التطرف والتطرف، وعواقب التحولات الاجتماعية على الناس. وترى الدكتورة مريم أن الروايات الإماراتية، بما تحتويه من إبداع فني تجريبي وحتى غريب، تشكل بشكل عام مرجعية تاريخية مهمة عن الفضاء الإماراتي المكاني والزماني والمجتمع الإماراتي المعاصر بشكل عام.
دكتور. نجحت مريم تفكيك الروائي الإماراتي زماناً ومكاناً وشخصاً وحواراً. عدة استنتاجات، منها أن الرواية الإماراتية كانت، كل مراحلها، مرتبطة فكريا وإبداعيا بواقعها الاجتماعي المتغير بسرعة “الروائي الإماراتي روائي متدرب شرب من نبع التراث العربي واستوحى منه كتابه. كتابات إبداعية، تطور من خلالها وعيه الفكري، والتي بدأت بشكل واضح من خلال التحولات السردية التي تحول إليها رغبة توثيق البصمة السردية الإبداعية للرواية الإماراتية لنظرائه العرب.
كتاب التحولات السردية الأدب الإماراتي مهم للقارئ والباحث الراغب التعرف على الفضاء السردي الإماراتي بتنوعه وإشكالياته. والأهم من ذلك أن هذا الكتاب يؤسس لحركة نقدية أدبية إماراتية إبداعية تساهم النهوض بالمشهد الثقا الإمارات التي تعيش عصرها الذهبي. أما الدكتورة مريم الهاشمي فتؤكد وجودها كأخصائية مجال النقد الأدبي الشائك وتدير دفة العمل بكفاءة كبيرة، وهي فخورة بأنها تمكنت من إيقاظه من سباته العميق.
الآراء والمعلومات الواردة مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعكس توجهات الصحيفة