كان عبد المطلب، المطرب المصري الراحل، شخصية استثنائية عالم الغناء العربي.
ولد قرية رية صغيرة مصر، حيث كانت الحياة تتحرك ببطء، ولكن الصوت الذي تردد عبر الحقول والشوارع المتربة جلب نغمات المستقبل. لم يكن عبد المطلب سوى صبي صغير ذلك الوقت، لكنه كان يعلم أعماق رأسه أنه كان هدية ستأخذه إلى ما هو أبعد من حدود قريته.
من صوت الريح جاءت الموهبة
منزل متواضع وسط الأراضي الزراعية، نشأ عبد المطلب بين أحضان الطبيعة وصوت الريح يغني معه.
كان يستمع منذ طفولته إلى الأغاني الشعبية التي تغنيها الأمهات الليالي الطويلة، ومن المؤكد أنه سيقلدها.
وبمرور الوقت، اتضح لكل من حوله أن هذا الصبي مختلف عن أي شخص آخر، فصوته يحمل القوة والعذوبة، ولديه قدرة فطرية على نقل المشاعر.
و أحد الأيام سمعه شيخ القرية وهو يغني وهو يعمل الحقل. ولم يتردد الشيخ دعمه، وشجعه على الذهاب إلى المدينة، لأنه كان يعتقد أنه سيكون هناك من يقدر هذا الصوت الفريد.
قروي أعمى من أضواء المدينة
ومع مرور السنين، قرر عبد المطلب أن يأخذ بنصيحة الشيخ وينتقل إلى القاهرة. الأضواء المبهرة، كانت المكان المثالي لاكتشاف الموهبة. عرف عبد المطلب أن الطريق لن يكون سهلاً، لكنه كان مصمماً على النجاح.
بدأ يبحث عن فرص للغناء المقاهي الشعبية والمسارح الصغيرة، وكان صوته يجذب الأنظار أينما غنى.
و أحد الأيام، وبينما كان يغني أحد المقاهي، سمعه منتج موسيقي مشهور، فتذكر هذا الصوت، وأحس أنه وجد شيئًا نادرًا.
القرص الأول… بداية الطريق
اتصل المنتج بعبد المطلب وعرض عليه فرصة تسجيل أول قرص مضغوط له. وفجأة أصبح اسم عبد المطلب معروفا كل بيت مصري.
لكن النجاح لم يكن مجرد صدفة اجتهد عبد المطلب وكرس نفسه لتطوير موهبته، فكان يستمع إلى أنواع كثيرة من الموسيقى ويحاول مزجها بأسلوبه الخاص، فاشتهر بأسلوبه الفريد الذي يجمع بين الأصالة والحداثة.
ولم يكن عبد المطلب مغنيا فحسب، بل كان فنانا بكل معنى الكلمة. أغانيه تعبر عن مشاعر الناس وتعكس تجاربهم الحياتية. كل أغنية قدمت قصة جديدة، ولكل قصة رسالة.
فرصة ذهبية
ومن أشهر أغاني عبد المطلب التي حققت نجاحا كبيرا هي أغنية “رمضان جانا” وهي الأغنية التي أصبحت رمزا للشهر الفضيل مصر والعالم العربي، وتعكس الأغنية روحانية وأجواء رمضان ببهجتها وبساطتها وتتميز بإيقاعها الخف الذي يمزج بين الموسيقى الشعبية والتوزيعات الحديثة مما يجعلها تحتل مكانة خاصة قلوب المستمعين.
أما أغنية “أعيش حي السيدة” فتعتبر تحفة فنية تجمع بين الغناء الأصيل والحداثة الموسيقية. من التاريخ. إن الإيقاع واللحن الهادئ الذي يميز عبقرية الملحن استغلال طبقات صوت عبد المطلب جعل من هذه الأغنية مقطوعة موسيقية خالدة.
“اترك حبك” هي إحدى أغاني عبد المطلب الشهيرة، والتي تتميز بكلماتها المؤثرة التي تعبر عن ألم الفراق والحب المفقود. لحن الأغنية يميل نحو الطابع الشرقي التقليدي، مع إظهار واضح لقدرات صوت عبد المطلب التعبير عن الحزن والأسى. يسلط التحليل الموسيقي لهذه الأغنية الضوء على التناقض بين العبارات الصاعدة لحنيًا والانحلال الدرامي الذي يصور الصراع الداخلي للحبيب.
وكانت هذه الأغاني الثلاث مجرد نماذج لعبقرية عبد المطلب الغنائية التي لم تتوقف عن التأثير أجيال متتالية من الفنانين. وبصوته العذب وأغانيه الصادقة، ترك عبد المطلب بصمة لا تمحى تاريخ الموسيقى العربية. سيبقى اسمه محفورا ذاكرة الأجيال، وستظل أغانيه تغنى وتتغنى عندما يحتاج الناس إلى صوت يلامس أرواحهم.