فرج فودة.. رصاص الكلمة أمام رصاص البندقية؟ (بروفايل)

admin20 أغسطس 2024آخر تحديث :

و أحد أحياء القاهرة، ولد فرج فودة 20 أغسطس 1945، ليشهد نقطة تحول تاريخ مصر والمنطقة العربية. وبدأ رحلة لم يكن يعلم حينها أنها ستدخله مواجهة مباشرة مع قوى التطرف والتعصب.

حصل فودة على درجة البكالوريوس ثم الدكتوراه العلوم الزراعية. لكنه لم يكن مجرد أكاديمي عادي؛ أثناء عمله مجال تخصصه، كانت عيناه ترى التغيرات الاجتماعية والسياسية من حوله بعين المثقف الباحث عن فهم أعمق للواقع. وكانت هذه الملاحظات هي التي دفعته نحو الكتابة والتأليف.

عندما بدأ فودة الكتابة، أدرك أن ما كان يفعله لم يكن مجرد تسجيل لحظات من التاريخ أو تقديم أفكار مجردة. وسعى إلى فهم التغيرات التي طرأت على المجتمع المصري، خاصة مع صعود الحركات الإسلامية السبعينيات والثمانينيات. وبدأ يشعر بأن هذه الحركات التي تمسك بقبضتها على مفاصل الدولة والمجتمع، تحاول كل منها الدفع بأفكارها، مما يشكل خطراً على حرية الفكر والتعبير.

تقول سمر فرج فودة: “لقد رباني والدي وعلمني أن أقصر طريق لحل المشاكل هو المواجهة والوضوح، لكنه رحيم كما أن الهروب قد يكون مؤلما، ولكنه أقل ضررا بالجهل”.

وتضيف ابنة الكاتب الراحل: “رحم الله والدي. يوم استشهاده على يد المتطرن كان صباح العيد، أطلقوا عليه اسم “أضحية العيد” واختاروا هذا اليوم تحديدا ليحرقوا قلوبنا حتى”. أكثر.”

أفكار تحت التهديد

وأول ما لفت انتباه فودة هو محاولة هذه الجماعات تغيير الهوية المصرية وفقا لرؤيتها الخاصة للإسلام. وأدرك أن هذا التوجه لا يقف عند حدود الدعوة الدينية، بل يحاول السيطرة على مؤسسات الدولة وقوانينها وثقافتها العامة. لم يكن فودة ضد الدين، بل ضد استغلاله كأداة للسلطة والسيطرة.

وقدم فودة كتابه “الحقيقة الغائبة” نقدا جريئا لفكرة الدولة الإسلامية التي يروج لها الإسلاميون.

ورأى فودة هذه الفكرة ليس فقط تشويها لتاريخ الإسلام، بل أيضا تهديدا للتنوع الثقا والفكري المجتمع. وأوضح أن تاريخ الخلافة الإسلامية لم يكن كما تم الترويج له، بل كان مليئا بالصراعات والصراعات والصراعات على السلطة. وخلاصة ضرورة قيام الدولة الحديثة، لا بد أن تكون دولة مدنية، تفصل بين الدين والسياسة، وتحترم حقوق الأفراد والمجتمعات.

لكن كرم فودة لم يتوقف عند هذا الحد. و كتابه “النذير” انتقد بشدة جماعة الإخوان، ووصفهم بأنهم يسعون إلى فرض وصايتهم على المجتمع باسم الدين. وكان فودة يدرك جيداً أن أفكاره قد تعرضه للخطر، لكنه كان مقتنعاً بأن الصمت وجه التطرف ليس خياراً. واختار أن يكون الصوت الرافض لتلك الادعاءات، حتى لو كلفه ذلك حياته.

ساحات القتال

و ساحة الفكر، لم يكن فودة وحده، فقد وجد نفسه مواجهة شخصيات دينية بارزة مثل الشيخ محمد الغزالي، والشيخ محمد متولي الشعراوي، والشيخ عمر عبد الرحمن. وكانت تلك المواجهات معارك فكرية شرسة، جسدت الصراع بين رؤيتين مختلفتين لمستقبل مصر.

معركة مع الغزالي

وكانت المواجهة مع الغزالي من أبرز المعالم الفكرية لفودة. و مناظرة شهيرة أقيمت معرض القاهرة للكتاب عام 1992، واجه فودة أفكار الغزالي حول الخلافة الإسلامية، معتبراً أن الدعوة إلى إحيائها هي محاولة للعودة إلى عصر مضى، وليس لرؤية المستقبل. واتهم الغزالي فودة بالخيانة والكفر، لكنه لم يتراجع، مفضلا الاستمرار الدفاع عن ضرورة الدولة المدنية التي تحترم حقوق جميع المواطنين.

المواجهة مع الشعراوي

ومن أبرز المواجهات بين فودة والشعراوي كانت حول كتاب “الحقيقة الغائبة”. ورأى الشيخ الشعراوي هذه الأفكار انتهاكا للعقيدة الإسلامية وانتقادا صريحا للتراث الديني. وهاجم الشعراوي خطبته الشهيرة فودة بشدة، واصفا إياه بـ”المفكر المزيف” وأن أفكاره لا تمثل إلا انحرافا عن الإسلام.

وشهدت وسائل الإعلام تبادلات غير مباشرة بين الشعراوي والوفد المرافق له، حيث استخدم الشعراوي المنابر الإعلامية للترويج لأفكاره والدفاع عن ضرورة تطبيق الشريعة، ما استخدم فودة مقالاته وكتبه لدحض هذه الأفكار والدعوة إلى تطبيق الشريعة. الحفاظ على الدولة المدنية.

معركة مع دعاة تطبيق الشريعة

ولم يقتصر نضال فودة على شخصيات محددة، بل امتد إلى الحركة الإسلامية برمتها، التي حاولت تطبيق الشريعة الإسلامية كنظام قانوني شامل.

وقدم فودة تحليلا نقديا لدعوات تطبيق الشريعة، مشيرا إلى أن التجارب التاريخية لهذه القوانين كانت مليئة بالتجاوزات والانتهاكات. ورأى أن تطبيق الشريعة يعني فرض تفسير محدد للدين على المجتمع بأكمله، وهو ما يتناقض مع قيم الحرية والتعددية التي دافع عنها.

المواجهة مع حزب العمل والإخوان

كما لعب فودة دوراً كبيراً مواجهة التحالف بين حزب العمل الذي تحول من حزب يساري إلى حزب إسلامي، وجماعة الإخوان المسلمين. فضح فودة كتاباته هذا التحالف، مشيراً إلى أن الحزب قد تخلى عن مبادئه الاشتراكية الراسخة لصالح أجندة إسلامية متشددة. ورأى هذا التحالف محاولة لفرض رؤية ضيقة للدين على المجتمع، وأنه يمثل تهديدا لحضارة الدولة.

كلمة أخيرة… لم تنته بعد

ولم تكن معارك فودا الفكرية مجرد مناظرات أكاديمية، بل كانت لها عواقب ملموسة وخطيرة. و يونيو/حزيران 1992، دفع فرج فودة حياته ثمنا لأفكاره، بعد أن قتله المتطرفون. وكان مقتله نتيجة التحريض العلني الذي مارسته الحركات الإسلامية ضده، لكن موته لم يكن نهاية رسالته. بل على العكس من ذلك، أصبح فودة رمزا للمقاومة الفكرية للتطرف الديني، وأصبحت كتبه وأفكاره منارة للباحثين عن الحقيقة والحرية.

رغم مرور السنين، لا تزال أفكار فرج فودة حية النقاشات حول العلاقة بين الدين والدولة العالم العربي.

ويرى فودة أن الحل لا يكمن القمع أو العنف، بل الحوار والتفكير النقدي. وكانت حياته القصيرة مثالا حيا على أن الكلمة الحرة يمكن أن تكون أقوى من أي سلاح، وأن الحرية رصيد لا يقدر بثمن.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة