ومن المتوقع أن يبدأ عون ورئيس الحكومة المكلف نواف سلام في اجتماعهما اليوم مناقشة كافة تفاصيل تشكيل الحكومة، بعد تجاوز كل مطالب «الثنائي الشيعي»، ما سمح بالانطلاق الفعلي للمفاوضات مع الحكومة. التركيبة الوزارية كاملة . وبات معروفاً أن الحكومة ستكون تكنوسياسية وتتكون من 24 وزيراً، ما يعني أن «المحاصصة» السياسية ستكون «خفيفة»، مثل الحقيبة النقدية المقررة للطائفة الشيعية والتي سيديرها السابق. النائب ياسين جابر. ولعل الجديد على مستوى المخزون الشيعي هو أن الحقيبة الخامسة ستتم تسميتها من خارج الثنائي، لكن باسم لا يشكل أي تحدي أو حساسية بالنسبة لهم.
ومن المفهوم أنه تم التوصل أيضا إلى اتفاق بشأن العناوين العامة للإعلان الوزاري. وسوف يمثل امتداداً لـ “التشدق”، وخاصة فيما يتعلق باحتكار الدولة للسلاح. وهذا يعني أن ثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة» لن تتكرر هذه المرة. والبديل سيكون على الأرجح عقد طاولة نقاش لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية التي طال انتظارها.
وخلافاً لما ورد سابقاً، فإن رئيس ورئيس الوزراء سيعينان وزراء للوزارات الحساسة. على سبيل المثال، سيشرف عون على ترشيح وزراء للحقائب الأمنية مثل الداخلية والدفاع. وبالإضافة إلى رمزية وأهمية اهتمام عون المباشر بهاتين الحقيبتين، هناك علامة أخرى لا تقل أهمية، وهي تنوع حصته من المقاعد المسيحية والمسلمة، وكونه رمزاً يوحد الوطن. ويتجاوز حدود الطوائف. هناك تركيز دولي ملحوظ على من سيتولى حقيبة الدفاع هذه المرة.
أما رئيس الوزراء فهو يسعى لتعيين وزير الخارجية على نفس المبدأ. وقد ورد اسم الوزير السابق غسان سلامة، لكن هناك عائق يتعلق بالتوزيع الطائفي المعتمد للحقائب السيادية الأربع.
لذلك، سيبدأ التواصل الجدي مع القوى الحزبية الأخرى، بنفس الأسلوب الذي حصل مع «الثنائي الشيعي»، على أمل أن يتم الانتهاء من تشكيل الحكومة والإعلان عنها قبل نهاية الأسبوع، وبشكل أدق بين الخميس والجمعة. الجمعة، زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن سعيد إلى لبنان، بعد أن تم تأجيلها قبل الانتخابات الرئاسية. وأعلن أن أول زيارة خارجية لعون ستكون إلى السعودية حيث من المتوقع أن يترأس وفدا وزاريا كبيرا ويتوقع توقيع 22 اتفاقا بين البلدين.
ومن المتوقع أن يسبق هذه الزيارة استكمال الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان واستكمال تنفيذ القرار 1701 مع تعديلاته. ولم يكن من التفصيل ما أعلنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن اكتشاف نحو 100 مستودع أسلحة تابع لحزب الله أو جماعات مسلحة أخرى منذ دخول قرار وقف إطلاق النار من جنوب لبنان حيز التنفيذ. وهذا يعني، أولاً، إرسال إشارة ارتياح لتطور الأوضاع في الجنوب، وثانياً، أن كافة شروط الاتفاق سيتم تنفيذها، ولكن دون اعتراضات إعلامية. الجانب الدقيق في هذا الأمر لا يعتمد فقط على مبدأ رفع الاحتلال وتنفيذ كافة بنود الاتفاق، بل يعتمد بشكل خاص على الأهداف الخبيثة التي يسعى إليها بنيامين نتنياهو. على سبيل المثال، طُرحت عدة تساؤلات حول حقيقة دخول الجيش الإسرائيلي إلى سوريا واقترابه من العاصمة دمشق، خاصة أنه لم تظهر أي أهداف عسكرية حقيقية. ويبدو أن الهدف الإسرائيلي هو إشراك الحكومة السورية الجديدة في مفاوضات مباشرة أو حتى غير مباشرة تنتهي باتفاق على تطبيع العلاقات بين دمشق وتل أبيب تحت ضغط تواجد الجيش الإسرائيلي على مشارف العاصمة السورية وإسرائيل. وسط اتفاق ينهي الواقع الاقتصادي البائس في سوريا.
ولدى عودته إلى لبنان، بعث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسائل إيجابية إجمالية في زيارته الثالثة إلى بيروت مع الفريق المرافق له. وركزت السفارات الفرنسية على وجود ثروات كبيرة تعمل الآن لصالح لبنان. وهي مؤشرات إيجابية حرص ماكرون وحاشيته على إبرازها خلال إقامته في العاصمة اللبنانية. لكن هذه النظرة الإيجابية والمتفائلة ترافقت مع تحذيرات من وجود أطراف معنية تسعى إلى خلق الفوضى إذا أتيحت لها الفرصة، الأمر الذي يتطلب من اللبنانيين التعامل بمسؤولية مع الفرصة الواعدة المتاحة للبنان.
وخلال جلسات فردية، وبعيدا عن وسائل الإعلام، تحدث بعض أعضاء الوفد الفرنسي صراحة عن طريقة تحقيق الانتخابات الرئاسية، مشيرين إلى أن واشنطن، بالتعاون الكامل مع السعودية، مارست ضغوطا كبيرة وجدية لتحقيق هذه النتيجة. وبدون هذا الدور الأميركي لن تكون هناك رئاسة ولا حكومة. وفي الواقع، حتى من الناحية الدبلوماسية، يسمع المرء أن واشنطن تعمل على إرساء رؤية شاملة في المنطقة، وأن النهج الأمريكي يظهر أن العاصمة الأمريكية جادة للغاية ولا تحتمل النكات، خاصة وأن حكومة الإدارة القادمة هي دونالد ترامب. .
وهذا الاعتراف الفرنسي بالدور الأميركي كان لافتاً بعد أن سجلت الساحة اللبنانية صراعات أميركية فرنسية في مراحل سابقة، رغم أنها ظلت مسيطر عليها وتحت سقف معين.
كما تحدث الوفد الفرنسي بشكل مفصل عن التحضيرات للمؤتمر الذي سيخصص لدعم لبنان اقتصاديا. وأشار إلى حماسة أوروبا بشكل عام وحماس السعودية ودول الخليج بشكل خاص. لكن هذه المرة، ستخضع هذه المساعدات الاقتصادية لرقابة خارجية صارمة ولن تترك لحرية العمل اللبنانية بسبب الفساد الذي «يثري رجال الطبقة السياسية على حساب المصلحة العامة».
ماكرون الذي أراد الحصول على قسط من النوم على متن الطائرة الرئاسية بعد عشاء طويل مع رئيس جمهورية أنغولا من أجل أن يبدأ يومه مبكرا، وضع برنامجا موسعا لزيارته، والذي كان بدوره يحمل عدة معان. هناك فرق كبير بين زيارة ماكرون الأخيرة وتلك التي جرت في أغسطس 2020 بعد انفجار مرفأ بيروت، وخاصة الزيارة الثانية التي تلتها أوائل سبتمبر. يومها، قام ماكرون بجولة في منطقة الجميزة المنكوبة، وسط صرخات المواطنين الذين فقدوا الأمل، ودفع الخوف من المستقبل أحدهم إلى المطالبة باستعادة الانتداب الفرنسي. لكن في اللقاء الذي جرى في قصر الصنوبر وحضرته أيضاً القوى السياسية اللبنانية، حرص ماكرون على “تسليط الضوء” على وفد حزب الله، فبقي منعزلاً لفترة وجيزة مع النائب محمد رعد. وكانت الإشارة الأبرز، التي صدمت المسيحيين بشكل خاص، هي دعوته إلى “عقد اجتماعي جديد”، وهي الصيغة التي فرح بها حزب الله.
لكن ماكرون تلقى لاحقا “صفعات على وجهه” بشكل متكرر. وانسحب مرشحه لرئاسة الوزراء مصطفى أديب بعد عدم تمكنه من تقديم تشكيلته بسبب الرفض الشعبي. وأصبحت المسافة بين الساحة المسيحية وباريس، التي تعتبر تاريخياً الراعي الدولي لها، أكبر من أي وقت مضى. وبلغ الخلاف ذروته حين توصلت فرنسا إلى اتفاق مع «الثنائي الشيعي» بشأن سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. وفي ذلك اليوم رفض المسيحيون شروط هذا الاتفاق، مما كان بمثابة أسوأ ضربة لباريس. ولاحقا، سرعان ما شعر ماكرون بحجم الخسارة في لبنان، في وقت كانت مواقع نفوذ فرنسا في القارة الأفريقية تنهار تدريجيا. وفي لقاءاته مع مسؤولين وشخصيات لبنانية، ابتعد معظمهم عن الإعلام، طلب ماكرون أفكارا تساعده على استعادة مكانة فرنسا، خاصة في الشارع المسيحي.
وفي زيارته الثالثة، وعلى الرغم من ضيق الوقت، قرر زيارة شارع الجميزة مرة أخرى. وبدا الشارع مختلفا بعد إزالة حطام الانفجار وعودة الحياة. كما أدى ذلك إلى تغير مزاج المواطنين واختفى شعور الخوف والقلق بشأن المستقبل.
كان ماكرون يريد الاختلاط بالناس ومصافحتهم وإجراء محادثات قصيرة معهم ومع أصحاب المقاهي والمتاجر واحتساء القهوة وتناول المعجنات.
لقد تغير المشهد في الجميزة وتغير مزاج الناس. والأصح أن المناخ الدولي تغير، مما دفع ماكرون إلى العودة إلى بيروت من دون أن يتحدث عن عقد اجتماعي جديد، بل يوحي بحماس لمن التقى بهم أن لبنان يسير بثبات نحو مستقبل واعد، ولو بخطوات مدروسة. ضرورة الحذر… وجود المتضررين.