وفي الأيام الأخيرة، أعربت إسرائيل وحزب الله عن مواقف غامضة بشأن رؤيتهما للفترة التالية لمهلة الستين يوما. ويناور الإسرائيليون من خلال تسريب مجموعة من المعلومات المتناقضة، بدءاً من التأكيدات على أن الانسحاب سيكون كاملاً ووفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار، وصولاً إلى التهديد بالبقاء جنوب الليطاني بذريعة أن حزب الله لم ينسحب بالكامل، وأن اللبنانيين لم ينسحبوا بالكامل. ولم يتولى الجيش بعد مسؤولية الأمن هناك بمفرده. كما أبدى الإسرائيليون مواقف أخرى غير واضحة، من بينها أنهم سينسحبون مع احتفاظهم ببعض النقاط الاستراتيجية المتاخمة للخط الأزرق لتسهيل مراقبتهم الميدانية للمنطقة.
في المقابل، يبدو «الحزب» محرجاً من التعامل مع اتفاق وقف إطلاق النار وإصرار إسرائيل على استغلاله. وهو يخشى إخلاء الجنوب بالكامل قبل التأكد من أن إسرائيل لن تغتنم هذه الفرصة ببساطة للتوسع مرة أخرى. لكنه في الوقت نفسه يتجنب إعطاء إسرائيل ذريعة لاتهامها بخرق الاتفاق، ثم انقلاب الولايات المتحدة وحلفائها عليها واستغلال هذا الظرف لتوسيع الهجمات من جديد وتكثيفها في الجنوب والضاحية الجنوبية، والبقاع، علماً أن التفجيرات والغارات الجوية لم تتوقف منذ 27 تشرين الثاني/نوفمبر.
واللافت هو السيناريو الذي يتم تداوله على نطاق واسع حول حزب الله في حال عدم انسحاب الإسرائيليين، وهو الأول من نوعه.
ويقول المقربون من «الحزب»: إذا استمر الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الجنوبية بعد الموعد المحدد، فمن المؤكد أن هناك مقاومة له. ويمكن لهذه المقاومة أن تظهر بأشكال وأسماء جديدة، بغض النظر عن انتمائها التنظيمي لحزب الله أو عدم ارتباطها به.
ويرتكز هذا التصور على فكرة أن الأعمال المسلحة ضد إسرائيل ستكون مشروعة لأنها تستند إلى القوانين الدولية التي تؤكد حق كل شعب في جميع أشكال المقاومة، بما في ذلك المقاومة المسلحة، عندما يتم احتلال أرضه.
وسط هذه الالتباسات والتناقضات، ينتظر لبنان 26 كانون الثاني/يناير بوميض ساخن. التحدي الأكبر هو ما ستفعله الحكومة اللبنانية المتوقع تشكيلها قبل هذا الموعد والقرار الذي سيكلف الجيش بتنفيذه. وقبل تأسيسها، واجهت هذه الحكومة ضغوطاً كبيرة من «الثنائي الشيعي» لإجبار إسرائيل على الانسحاب الكامل. وهي في المقابل معرضة للابتزاز الإسرائيلي: فإما أن تتحركوا بشكل حاسم لإجبار حزب الله على إخلاء جنوب الليطاني ونشر الجيش، أو نأخذ على عاتقنا مهاجمة المواقع مرارا وتكرارا، كما لا يزال يحدث حتى اليوم، وانسحابنا الكامل يظل مرهونا بإكمال هذه المهمة.
وبالطبع فإن الحكومة اللبنانية ليست محايدة في هذا الموضوع، وهدفها هو إعادة الجنوب محرراً، كما كان قبل «حرب الدعم». لكن لبنان، في مواجهة الانهيار ونتيجة الحرب المدمرة، لا يملك القوة التي تسمح له بمواصلة المواجهة مع إسرائيل. وستسعى الإدارة إلى استغلال مميزاتها، لا سيما العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة التي أعلنت بوضوح رغبتها في انسحاب إسرائيلي سريع وكامل. لكن واشنطن، التي ترأس لجنة الرقابة، كانت أيضًا أكبر داعم لإسرائيل منذ تأسيسها.
ويخشى البعض من أن يبقى الجانب اللبناني في حالة من الفوضى بعد الموعد النهائي. ويبدو أن لبنان الرسمي فشل في ضمان الانسحاب الإسرائيلي الذي طالب به «الحزب». من جانبها، تقول إسرائيل إن لبنان الرسمي لم ينفذ التزامه بتمركز الجيش في كامل منطقة جنوب الليطاني.
وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن لبنان الرسمي، أي رئيس والرئيس المنتخب والحكومة المؤقتة، يكثف اتصالاته في الداخل ومع الولايات المتحدة وفرنسا من أجل إدخال الجميع في الصورة والحيلولة دون الوصول إلى طريق مسدود مفاجئ بشأن أسبوع.
أسهل مخرج حتى الآن، في نظر الجميع، هو تمديد المهلة شهراً أو شهرين، ربما تطرأ ظروف تتيح تجاوز المطبات المتوقعة. لكن هذا الانتظار ليس العلاج الأفضل في نظر ترامب، فهو مستعجل لإنهاء الحروب في الشرق الأوسط والدخول في مناخ الاتفاقات والاتفاقات. لذلك سيواجه اللبنانيون خياراً طارئاً، وهو الاتفاق سريعاً وبصراحة مطلقة على كل ما يتعلق بالجنوب والحرب والسلاح، وتجنب الحيطة ونصب الفخاخ المتبادلة التي لا يريد أحد الهروب منها، والتي ستكون أكثر تدميراً للبنان. البلاد من الحرب نفسها.