ويبدو أن عملية الإنقاذ التي نفذها لبنان، والتي تحظى بتغطية عربية ودولية غير مسبوقة، مرتبطة عضويا بعملية إدارة الأزمات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ويجري تحديد مسار هذا المسار بشكل عاجل، بالتزامن مع بدء ولاية الرئيس دونالد ترامب في العشرين من الشهر الجاري. أبرز العلامات الملحوظة في هذا المجال:
1- ضغوط أميركية كبيرة على إسرائيل وحماس للتوصل سريعاً إلى اتفاق تبادل خلال أيام وإنهاء الحرب في غزة.
2- ممارسة ضغوط مماثلة على القوات المسلحة المعنية لإنهاء الحرب في لبنان بعد مهلة الستين يوما، أي 27 كانون الثاني/يناير الجاري. وفي هذا السياق، يريد الأميركيون تحقيق انسحاب إسرائيلي حقيقي وكامل من الجنوب لطمأنة اللبنانيين إلى أن حدودهم الجنوبية ليست معرضة للخطر. ومن ناحية أخرى، يعمل الأميركيون بنفس التصميم على سحب جميع الأسلحة غير القانونية من الجنوب بشكل كامل لطمأنة إسرائيل بأن أمنها في الشمال لن يتعرض للخطر ابتداء من اليوم. وبهذا التأكيد المتبادل، يلتزم الجميع باتفاق وقف إطلاق النار الأخير المبني على القرارات الدولية 1701 و1559 و1680. وهذا يعني أن سحب كافة الأسلحة غير الشرعية سيشمل كافة الأراضي اللبنانية وجميع المعابر الحدودية البرية والبحرية والجوية، بضمانة أممية. إن تورط لبنان في هذا الأمر من شأنه أن يهدم الامتياز الذي حصلت عليه إسرائيل بمباركة أميركية، والذي تمارسه حالياً، والذي يلزمها بمهاجمة أي هدف في لبنان تعتبره معادياً إذا لم يتدخل اللبنانيون أنفسهم فيه.
3- الانقلاب الذي أخرج سوريا بشكل كامل من المحور الروسي الإيراني، بما له من تأثير على منطقة الشرق الأوسط برمتها.
4- تراجع نفوذ إيران بشكل حاد بعد أن فقدت البلاد معظم أسلحتها الإقليمية.
ولذلك فإن إعادة بناء الدولة في لبنان تجري تحت تغطية عربية ودولية مباشرة، وهي جزء من اتفاقيات إقليمية يتم الإعداد لها بكل عزيمة. ولذلك يصعب على أي طرف أن يعارضها، حتى الإسرائيليين. واللافت أن الاستطلاع الذي صدر في إسرائيل قبل يومين أظهر أن نتنياهو سيترك السلطة إذا أجريت الانتخابات اليوم. ويتوافق هذا الاستطلاع مع التوقعات بسقوط الحكومة الإسرائيلية الحالية بعد تطهير الجبهات المفتوحة الحالية، وبوصول قوى أكثر اعتدالاً وصديقة للاتفاق إلى السلطة. وهذا ما يقول العديد من المحللين إن ترامب يريده. وفي كل الأحوال فإن ما يقلق لبنان حالياً هو انسحاب إسرائيل الفعلي والكامل من الجنوب. ويقال إن اللبنانيين حصلوا على تعهد من واشنطن للقيام بذلك. وهذا الانسحاب والنجاح في إنهاء الحرب هما البوابة الحقيقية لبداية عملية الإصلاح في الداخل.
ولا تزال بعض أوساط المعارضة (السابقة) تخشى من لجوء من هم في السلطة إلى أسلوب التخفيف و”التقسيم” ربما من أجل الاحتفاظ ببعض الامتيازات. لكن الاعتقاد السائد هو أن حزب الله سيدعم خطوات الاتفاق لأنه واثق من النهج الذي سيتخذه ولأن جميع القوى السياسية ستبقى في قلب أي مفاوضات بشأن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وهي تعلم جيداً أن الاتفاق سيستمر. وتابع الطرف هذا الاتفاق بشكل مكثف، وتمت الموافقة على الاتفاق في نسخته والتزم بتنفيذه.
الاختبار الأول قبل العهد هو استكمال إرساء الصلاحيات الإجرائية من خلال تشكيل حكومة تتوافق مع البرنامج الرئاسي كما أعلن الرئيس نجيب ميقاتي، ويبدأ باختيار رئيس الوزراء المقبل للحكومة. ومن الواضح أن السلطات الحالية تفضل أن يأتي هذا الرئيس من نادي الأسماء التي «جربتها». لكن المعارضة قادرة على طرح الاسم الذي يناسبها، وهو ما لا يشكل استفزازاً لأحد، وتتبنى برنامج الرئيس بشكل كامل. هناك من يقترح تكرار «سيناريو» انتخاب الرئيس جوزف عون لتحديد الرئيس المنتخب لتشكيل الحكومة.
وتمكنت المعارضة (السابقة) من منح جوزف عون 71 صوتاً في الجولة الأولى، واستطاعت إضافة بضعة أصوات أخرى للمعارضين الذين كانت لديهم اعتراضات فنية، مثل مسألة التعديل الدستوري أو غيره. وهذا يعني أن المعارضة تستطيع الإدلاء بحوالي 75 صوتاً للسنة الذين تريدهم على رأس الحكومة. وهذه «الكتلة» النيابية قادرة بسهولة على إعطاء الأفضلية للاسم في المداولات النيابية الملزمة. إلا أن شرطها الأساسي هو عدم تقسيم الأصوات وتوزيعها بين اثنين أو أكثر من مرشحي المعارضة. وما يقال عن تعيين رئيس الوزراء ينطبق أيضاً على تشكيل الحكومة وبرنامجها. وبهذه الأغلبية تستطيع المعارضة (السابقة) تشكيل حكومة تتوافق مع برنامج الرئيس ولا تتعارض معه. والوضع المثالي هو تأمين الدعم الشامل لهذه الحكومة، على غرار ما تم تحقيقه حول الرئيس. إن ميزة الانسجام بين رئيسي والحكومة، التي عبر عنها جوزف عون في خطاب أداء اليمين، ستكون طويلة الأمد ومصيرية لنجاحه.
ويقول نائب خبير: «نحن واثقون من أن بناء الدولة سيبدأ، لأن اتجاه التحولات في الشرق الأوسط سيكون في صالح لبنان هذه المرة ليس ضدنا». انطلاقا من تشكيل الحكومة، يمكن المراهنة على أن الدولة التي وعد بها الرئيس جوزف عون في خطاب أداء اليمين، ستبرز، رغم أن استكمال بنائها سيستغرق بعض الوقت. مدة العهد ست سنوات كاملة. هذا هو الوقت الذي يمكن فيه تحقيق مجموعة من الإنجازات التاريخية التي بدت دائمًا مستحيلة للبعض.