قبل أن تفتح القوى الدولية والإقليمية والعربية شهيتها لـ«الكعكة» السورية، يجب أن تكون «العجينة» التي تصنع منها هذه «الكعكة» ذات نوعية جيدة وغير فاسدة. وإلا فإن سوريا ستصبح ساحة مفتوحة للخلافات بينهما. وتذهب هذه القوى إلى حد يصعب معه السيطرة على اللاعبين الذين قد لا يتبعون قواعد اللعبة. ومن هنا يتكثف العمل الدولي والتواصل الدولي والحركة العربية. وأنقرة تتصرف من موقع الإمساك بالأوراق والقدرة على التحكم في الإيقاع، وكمرجع بل وممر إلزامي لمن يريد حصة من «الفطيرة». وفي لبنان، بدأنا نشهد «حجاً» متنوعاً للسياسيين وعلماء الدين إلى أنقرة لاستكشاف آفاق هذه المرحلة. وكانت للرئيس نجيب ميقاتي زيارة لافتة ساعدته في الحصول على صورة أوضح عما يجري في البلد الجار وكيف يمكن التعاون مع الواقع الجديد الذي يواجه كل القضايا الحساسة الأخرى في المنطقة، من غزة إلى الجميع، المفروض. لبنان.
الدبلوماسية الأميركية الكبيرة باربرا ليف على رأس وفد في دمشق للقاء أحمد الشرع (الجولاني) لبدء محادثات حول مستقبل العلاقات الأميركية السورية في مرحلة ما بعد الأسد بعد سنوات من التوتر والقطيعة مع اختراقات لم ترقى إلى مستوى الاستقرار، وهي تسعى جاهدة لبناء علاقة متينة مع النظام. ما الجديد في دمشق بعد إخراج «موسكو» و«طهران» من «رف» الامتيازات التي كانت تتمتع بهما في السابق؟ وأعرب جير بيدرسن، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، في تصريحاته، عن أمله في سوريا جديدة، ديمقراطية ينبثق فيها الحكم من انتخابات حرة وشفافة. وهو يرى في الاستقرار المرضي السائد في هذا البلد مؤشرا نبني عليه المستقبل.
في موازاة ذلك، يعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن رغبة بلاده في العودة إلى دمشق، ويسارع لفتح أبواب سفارته هناك، التي سبق أن أغلقها في أعقاب حرب 2011. ومعلوم أن سوريا كانت جزءاً من فرنسا التي أسندتها إلى لبنان، بعد سقوط الدولة العثمانية وانكشاف اتفاقية “سايكس بيكو” التي نصت على تقسيم النفوذ في المناطق التي تخليها جيوش الإمبراطورية. . علماً أن سلطات الانتداب الفرنسي بقيادة سلطان باشا الأطرش شنت حروباً دامية ضد الجماعات السورية الداعمة للحكم الفيصلي في ميسلون وجبل الدروز. وبعد حصول سوريا على الاستقلال، تأرجحت العلاقة بين البلدين صعودا وهبوطا وتمتعت بفترة وردية، وإن كانت لفترة وجيزة فقط في عهد الرئيسين الراحلين جاك شيراك وحافظ الأسد، قبل أن تعود إلى ذروتها الأزمة بين السابق وبشار الأسد والسلبية المطلقة ظلت عنوان العصر، السائد لدى الرئيسين، الرئيس الفرنسي السابق والحالي، نيكولا ساركوزي، وإيمانويل ماكرون. ومثل بيدرسن وماكرون، بدأت أكثر من دولة غربية وعربية تبدي اهتماماً بما يحدث في سوريا لأسباب سياسية واقتصادية وتجارية، لكنها لن تجد طريقاً واضحاً إلى الأمام إلا إذا طرقت أبواب تركيا التي وله صلاحية السماح بدخولهم والشروط الواجب توافرها.
لكن هناك تساؤلات تطرح عند تقييم الوضع في سوريا والمستقبل المقبل. وفي بعض الأوساط المراقبة في باريس، هناك شكوك حول قدرة المسؤولين في هذا البلد على صياغة دستور جديد يؤكد الهوية المدنية للحكومة، ويضمن التعددية والتنوع في المجتمع السوري، ويمكن أن يكون له تأثير مطمئن على الأقليات. وذلك على الرغم من الاتصالات المكثفة بين ممثلي الشريعة مع رؤساء الطوائف المسيحية وشيوخ الطائفة العلوية ومسؤولي الطائفة الدرزية وممثلي الطائفة الشيعية والالتزام بعدم تقييد خصوصية هذه الطوائف وعدم استبعادها. منهم من استبعاد الحياة العامة والسياسية في سوريا. الخطبة الأخيرة لبطريرك الروم الأرثوذكس يوحنا المجتمع السوري، ولا يمكن تهميشه وحصر دوره وحضوره في كافة المجالات.
تشير التقارير الواردة من الدوائر الغربية إلى أن الارتياح الذي أحدثه الانتقال السلس في سوريا لا يعني أن المخاوف تبخرت أو ستختفي في أي وقت قريب، نظراً للمخاوف المشروعة التي ترددت في باريس والفاتيكان من قبل الجهات الروحية والمدنية، منذ الثورة. وأولئك الذين يدعمونها مهتمون حاليًا بتقديم أوراق اعتماد لا تشوبها شائبة للمجتمع الدولي، وخاصة المجتمع الغربي. أضف إلى ذلك أن المشكلة لا تتعلق فقط بالشريعة، التي لم تخل تصريحاتها من أي «أخطاء» في مجال طمأنة الأقليات، فهناك تنظيمات وجبهات وهيئات كثيرة ذات طابع إسلامي جهادي تنتظر المساهمة في هذه العملية. الواقع الذي سيظهر، وطريقة التعامل معه لن تكون سهلة. المستقبل مع الحكومة في دمشق وطريقة تعاملها مع الأقليات.
يقول وزير لبناني سابق: «لا يكفي أن تقول للإنسان لا تخاف، يجب ألا تجعله يخاف، بشكل مباشر أو غير مباشر، بقصد أو بغير قصد». المسألة أدواتي:
1- كيف يبدو مستقبل الأكراد في البنية الجديدة لسوريا ما بعد الأسد؟
2- ما هو الموقف الذي سيتخذه النظام الجديد في سوريا من التطبيع مع إسرائيل وكيف سيتعامل مع قضية ضم هضبة الجولان ودخول الجيش الإسرائيلي إلى سوريا على مسافة 14 كيلومترا وتواجده على الحدود السورية؟ جانب؟ من جبل حرمون؟ ما مدى أهمية هذا الموضوع في اهتمامات القيادة السورية الجديدة؟
3- بعد مطالبة التنظيمات الفلسطينية في سوريا بوقف تدريباتها وتسليم أسلحتها للسلطة الجديدة، هل سيغادر عناصر هذه التنظيمات إلى المخيمات اللبنانية، وما هو تأثير ذلك؟
4- كيف سيؤثر البعد الإسلامي للثورة السورية على الوضع السني في لبنان من حيث ظهور القوى وتمركز القوى الثانية وانسحاب أخرى؟
5- هل سيكون هناك التزام باحترام سيادة لبنان واستقلاله وحرية اختياره؟ لن تكون هناك عودة إلى المرحلة أو المراحل السابقة التي ميزت علاقات لبنان مع سوريا منذ العام 1943 حتى العام 1991. ففي 22 أيار/مايو، عندما وقع الجانبان اللبناني والسوري على معاهدة الأخوة والتنسيق التي بموجبها في 16 آب/أغسطس عام 1993 تأسست الأمانة العامة للمجلس الأعلى اللبناني السوري؟ فهل سيكون هناك إطار بديل ينظم تفاصيل العلاقات بين البلدين، أم أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ستكون محدودة ومعززة بما يعزز الاحترام غير المشروط لقواعد السيادة والاستقلال؟
وفي كل الأحوال، لن تكون هناك رؤية واضحة، فالمنطقة معرضة لتطورات خطيرة قد تمتد إلى ساحات أخرى خارج حدود لبنان وسوريا.