ولعل الفرصة الأولى لقياس مدى تأثير التغيير الجذري في سوريا على لبنان هي توضيح المسار الذي ستتخذه جلسة 9 كانون الثاني/يناير النيابية لانتخاب رئيس ، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت عاصفة النظام ستؤدي إلى سقوط النظام. ومع استمرار دمشق ستتغير ملامح رئيس المقبل والسجلات التي ستقوده إلى قصر بعبدا.
ومن الواضح أن قوى المعارضة التي تعتبر نفسها منتصرة بإسقاط بشار الأسد، ستعمل على أساس أن رحيله عن السلطة أكمل تعديل ميزان القوى الداخلي لصالحها، امتداداً لسياسة الأسد. آثار الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد حزب الله. وبالتالي، يرى هذا الفريق أن حلفاء الأسد، وعلى رأسهم الحزب، ضعفوا بشكل كبير على وقع الضربات التي تلقاها محور المقاومة في الآونة الأخيرة، خاصة بعد اغتيال السيد حسن نصر الله والإطاحة برأيهم، بحسب قوله. من الضروري اغتنام «الفرصة التاريخية» لتغيير قواعد التعامل الداخلي وتنصيب رئيس جديد وفق معايير المعارضة، ترجمة للواقع الجديد في لبنان والمنطقة.
ويؤدي هذا التوجه إلى استنتاج مفاده أن معارضي حزب الله سيصبحون تلقائياً أكثر تطرفاً في أي نقاش يهدف إلى الاتفاق على اسم مقبول، إذ لم يعد هناك أي مبرر للتنازلات والمقارنات، وأنه قبل التمكن من مناقشة الانهيار، ما كان ممكناً بالنسبة للحزب؟ النظام السوري لم يعد لديه أي مبرر.
في المقابل، يتصرف الطرف الآخر في البلد على أساس توازنات داخلية ثابتة لا يمكن لأحد أن يزعزعها أو يغيرها، بالتزامن مع قواعد الصيغة اللبنانية التي تقوم على الشراكة والتوافق في كل ما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية والسياسية. المطالبات الحيوية، بغض النظر عن أي تغييرات خارجية تطرأ هنا أو هناك.
«الثنائي الشيعي» وحلفاؤه مقتنعون بأن الحرب الإسرائيلية أو انهيار نظام الأسد لا يمكن إنفاقهما على صندوق الانتخابات الرئاسية، وبالتالي لا يمكن اختراق موازنات البرلمان الحالي لخلق واحد لفرض رؤساء مع معايير أحادية الجانب، وإذا تم تنصيب مثل هذا الرئيس، فمن المؤكد أنه لن يتمكن من الحكم.
ثم إن «الثنائي» يتصرف على أساس أن قوتهما تنبع من داخلهما بالدرجة الأولى، انطلاقاً من ما يمثلانه في من حولهما، ومن الخطأ الافتراض أن إسقاط السلطة الحليفة لهما في دمشق سيعني ذلك. إمكانية «إخضاعها» والتعامل معها على أساس هزيمتها.
وعليه، فمن المرجح أن تصبح محاولة التوصل إلى اتفاق حول مرشح يمكنه الحصول على 86 صوتاً أو أكثر أكثر صعوبة وتعقيداً بعد «الزلزال» الجيوسياسي الذي ضرب سوريا، ويجب أن يكون ذلك حافزاً للبنان لانتخاب رئيس رئيس توافقي ليس فقط في التاسع من يناير/كانون الثاني، بل حتى قبل ذلك التاريخ، وذلك من أجل تعزيز البيت الداخلي في مرحلة تحول الشرق الأوسط التي تصحبها الرياح التي تهب في اتجاهات مختلفة.
ويطالبون بمعالجة الأمر الرئاسي بأكبر قدر ممكن من الواقعية السياسية، بعيداً عن الافتراض بأن هناك فرصة لاستغلال التطورات السورية وتداعيات الحرب الإسرائيلية لتغليب خيار على آخر.
يكشف العارفون أن الرئيس نبيه بري سيواصل الضغط من أجل التوافق الرئاسي حتى اللحظة الأخيرة، وأنه يريد من «القوات المسلحة اللبنانية» أن تكون شريكاً في تفاهم وطني واسع نيابة عن الرئيس المقبل لضمان توافق سياسي. بداية قوية له داخلياً وخارجياً، بحيث يحظى بدعم المكونات الأساسية محلياً، إضافة إلى المنظمات الإقليمية والدولية التي لها تأثير على الساحة المحلية، لا سيما أن لبنان يحتاج إلى مساعدة هذه الأطراف للتعافي، لا سيما اقتصاديا .
لكن إذا لم يكن من الممكن الاتفاق على قاسم مشترك للرئيس، فإن الخيار الثاني الممكن هو إيجاد واجهة بين «الثنائي» و«التيار الوطني الحر» والكتل النيابية الأخرى من أجل التوصل إلى خيار مقبول. من يحصل على الأغلبية اللازمة للفوز.