ترأس متروبوليت بيروت للروم الارثوذكس وفروعها المطران الياس عودة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس بحضور حشد من المؤمنين.
وبعد الإنجيل قال في عظة: “عندما جاء الوقت لخلاص الخليقة حسب خطة الله، كان الذين قبلوا شريعة الله (أي اليهود) لا يزالون في ظلمة العمى الروحي”. وتمسكهم المتحجر بحرفيتهم، وأولئك الذين لم تكن لديهم بعد شريعة الله (أي الأمم) ضاعوا، ولم يعلموا أنهم قد ضاعوا. لقد كانت البشرية جمعاء عمياء، حتى لو كانت الأسباب المباشرة لعمى أريحا تمثل الخليقة في إنجيل اليوم، فكلهم متحجرون في فهمهم الخاطئ لله أو راضون بالحياة السطحية لشريعته أو يخلقون أصنامًا لحياتهم. ولكن عندما نواجه إنجيل اليوم مع وضعنا الحالي، ندرك أننا غالبًا ما نكون عميانًا روحيًا لأننا نتمسك بسوء فهم الشريعة الإلهية أو بسطحية عيشها، فنشبه اليهود الضالين، أو لأننا ومنشغلين بأمور الدنيا وننال الحياة منها نصير عبدة أوثان كالأمم في تلك الأيام».
وأضاف: “صرخ الأعمى إلى الرب يسوع طالبًا الرحمة: “يا يسوع ابن داود ارحمني”. وكانت دعوته إعلانًا عن الإيمان بما كتب في الكتب القديمة وبشخص الرب”. يسوع الناصري الذي ظهر على أنه الله والمسيح والمخلص. ولا نطلب منهم الشفاء والنور إلا ممن نعتقد أنهم مصدرهم، وظل الشهود لآيات الرب وقوة تعاليمه غير مؤمنين، بينما استغاث به رجل أعمى. نعم، لينال الخلاص بناءً على الشهادات التي سمعها فقط. عندما يشعر الإنسان بضعفه وبؤسه، ربما يكون من السهل عليه أن يطلب الرحمة، ولعل هذا هو أول مستوى من البصيرة ليدرك الإنسان أنه بدون الله أعمى وبائس، وأن كل شيء سوى الإخلاص له الله وجودي. إنه الخداع وعبادة الأوثان.”
وتابع: “واللافت أنه رغم توبيخ الذين حاولوا منعه، استمر الأعمى في طلب الرحمة: يا ابن داود ارحمني”. والاجتهاد في التوجه إلى الله هما الأساس، بالإضافة إلى خصائص اللقاء وألفةه بين الرب والذين يطلبونه. ولما سمع الرب صرخة الأعمى، أمر أن يأتي به إليه ويدخل في حوار شخصي معه، ابن الله الوحيد، الكلمة الأزلي الذي كان قبل كل الدهور، أخذ على عاتقنا إنسانيتنا ومأساةهم. لقد استسلم للقتل بطهارته وقد دنسنا “بجسده أبطل ناموس الوصايا في فرائض، ليخلق في نفسه إنسانًا واحدًا جديدًا من الاثنين، ويثبت السلام” (أفسس). 2: 14)، وهو “الحقيقي”. نور ينير كل إنسان، لكن استقبال هذا النور يعتمد على الاختيار الشخصي لكل فرد.” سأل السيد: ماذا يجب أن أفعل لك؟ والاختيار الحر هما مفتاح الخلاص وفي نفس الوقت طريق المسيح في قلوبنا (أفسس 3: 17). الرب يعرف نية هذا الرجل الفقير، لكنه أعطاه الفرصة ليعبر عن إيمانه بنفسه وبنفسه في قدراته الإلهية، ثم قال له: “هوذا إيمانك قد خلصك”.
قال: «معجزة البصر تأكيد لعقيدة الأعمى. عندما نتأمل فيما حدث، من ناحية، نستنير، ومن ناحية أخرى، فهذا تأكيد على أنه لا يمكن اتباع مقاصد الله بدون النور الآتي منه، كما يقول داود النبي: ” نورك وحقك يهديانني ويهديانني إلى جبل قدسك وإلى مساكنك» (مزمور 43). :3). لقد آمن الأعمى أولاً ثم أبصر، وليس العكس. إن الانتقال إلى علاقة شخصية ووجودية عميقة مع الله يتطلب أن ينفصل الإنسان عما يربطه بالأرض ويقفز إلى المجهول ظاهرياً، وبهذه القفزة التي هي في الواقع قفزة إلى حضن الله يبدأ الإنسان ليبني إيمانه الحقيقي الذي يرفعه إلى ملكوت الله، أي إلى الحياة الأبدية مع الله، فيصير ابنًا للنور والنهار (1 تس 5: 5). وفي الحال انفتحت عينا الأعمى وتبعه وهو يمجد الله. وهذا الأمر له معنيان. فمن ينال مثل هذا الخلاص العظيم من يد السيد لا يسعه إلا أن يتبعه ويكون صوتًا يعلن مجد الله وعظمة أعماله. المعنى الثاني هو أن يصل الجميع إلى النقطة التي يصبحون فيها تابعين “حقيقيين” للرب، بكل أفعاله وكلماته وحتى نواياه، يصبح أداة لتمجيد الله، هذه هي دعوتنا الأساسية، وهذا هو ما. يجب أن نفعله لنرى خلاصنا القادم يتجسد ويملك معه. في أصحابه وصالحيه”.
وأضاف: “إن رجل أريحا الأعمى يمثل أيضاً وطننا الذي تجاهله ضلال قادته وقادته وسوء سلوكهم على مدى عقود ثم بدأ البحث عنهم”. وعلى المؤسسات الدولية أن تتحمل مسؤوليتها عن الدمار العشوائي والقتل الجماعي، لكن يبقى السؤال الأهم: أين تقع مسؤولية اللبنانيين؟ أين دور المسؤولين والقادة والنواب والأحزاب والشعب وأين دور المنخرطين في الحرب؟ هل ينبغي على اللبنانيين أن ينتبهوا لمصيرهم قبل الاستعانة بالخارج؟ القرى التي سويت بالأرض هي قرانا، والبيوت التي تم تفجيرها هي لنا، والحقول المحروقة هي حقولنا والضحايا الأبرياء الذين هم… نتيجة كراهية وبربرية إخواننا هم أعداؤنا . ماذا ننتظر حتى نوقف التدمير الدوري لأرضنا وطمس آثارنا وقتل شعبنا؟ هل سنجد أنفسنا في مثل هذا الوضع لو كانت لدينا صلاحيات كاملة ودولة قوية وبرلمان واعي بدوره ومسؤولياته؟ الوضع الدرامي؟ وما فائدة تأخير انتخاب الرئيس، ناهيك عن فائدة الإصرار على العناد؟ ألسنا كمن يعاقب نفسه أو ينتحر؟ ولكن الآن بعد أن وصلنا إلى وقف إطلاق النار، هل يجوز لنا أن نبقى مغمضي الأعين كالأعمى، أم يجب أن نسأل الله أن ينير بصيرتنا وبصيرتنا حتى ندرك أنه لا خلاص لوطننا إلا بالجميع؟ ؟ العودة إلى رعاية الدولة ووضعها تحت حماية دستورها وقوانينها، فلا ولاء إلا للبنان. لا يجوز رفع أي علم غير العلم اللبناني ولا يحسب إلا الجيش اللبناني. أملنا أن يدرك جميع اللبنانيين أن الدولة هي الخيار الأول والأخير، وأننا جميعا جزء من وطن وليس محورا، وطن له دستوره وقوانينه وسيادته، نعيش فيه مع إخوة مهما نشاء. قد تكون لدينا آراء مختلفة، لكن الوطن الذي يربطنا يبقى. لقد سئم اللبنانيون من التشرذم والحروب وما تسببه من دمار وعدم استقرار. لقد سئموا الدولة الضعيفة المتفككة، وتعبوا من التلاعب بمصيرهم، وجميعهم يتوقون إلى السلام والاستقرار والنمو والازدهار”.
وختم: “صلواتنا أن يعم السلام في بلدنا وفي العالم، وأن يحل الوعي والعقل والمسؤولية محل التهور والمغامرة، وأن يلتزم لبنان بما التزم به وأن يكون له رئيس”. الذي سيعمل مع إدارته على بناء الدولة القوية، ذات السيادة على كامل أراضيها، ويمتد نفوذها على كامل أراضيها، وتحمي حدودها وسيادتها وجميع أبنائها. لننعم بالسلام الدائم والحياة السعيدة، حياة كريمة في وطن أعطانا الله لنحافظ عليه”.