وفي سياق المفاوضات لوقف إطلاق النار، حاول العدو الإسرائيلي استمالة المفاوض اللبناني من خلال تصعيد عسكري، شمل “عواصف نارية” متكررة على مدينة بيروت، الأمر الذي تطلب رداً قوياً من “حزب الله” الذي ضرب تل أبيب حتى النخاع وكان لها عدة تأثيرات.
مع اقتراب العدوان الإسرائيلي الشامل على لبنان من نهاية شهره الثاني، ومع مرور أسابيع على العملية البرية التي استهدفت الخطين الأول والثاني من مدن الجنوب، بادر حزب الله إلى قصف عمق تل أبيب وإخضاعها. السيطرة على النيران، في تطور نوعي ولافت أظهر أن الحزب لا يزال يحافظ على مستوى عالٍ من «اللياقة البدنية» في «ماراثون» الحرب.
وبهذا المعنى فإن مشهد الإصابة المباشرة في أحد شوارع تل أبيب الحيوية يعكس المؤشرات التالية:
– إعادة المعادلات التي تعطلت بعد هجمات “الباغر” والإذاعات، واغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وعدد من القادة العسكريين للمقاومة، وبدء الهجوم الإسرائيلي الضخم على لبنان. وفي هذا السياق، يمثل الهجوم غير المسبوق على قلب تل أبيب نقلة نوعية نحو استقرار معادلة تل أبيب مقابل بيروت، خاصة بعد الغارات الجوية الإسرائيلية التي ضربت العاصمة في يومين متتاليين.
وأظهر الهجوم على مركز الوحدة وشريان حياتها أن قدرات حزب الله الصاروخية والجوية لا تزال قوية، رغم أن مسؤولي الاحتلال قالوا أكثر من مرة إن تلك القدرات قد تم تقويضها وتقلصت فعاليتها.
لقد أثبت النجاح في مهاجمة تل أبيب أن الهجوم البري لا جدوى منه عملياً، ولا يقدم أي عائد حقيقي طالما أن أهم مدينة داخل الكيان تقع في مرمى الصواريخ والطائرات بدون طيار. ولذلك فإن القيادة الإسرائيلية غير قادرة على حماية تل أبيب، فكيف ستحمي الجليل وتعيد المستوطنين المهجرين بالقوة وفق الهدف المعلن للحرب؟
إن أداء المقاومة منذ اتساع نطاق الحرب يوحي بأنها تستخدم أوراقها بوعي وبشكل تدريجي، بحسب تطور مراحل المواجهة ومتطلباتها، دون إلحاح، مع الأخذ في الاعتبار أن المعركة يمكن أن تطول إلى ما هو مطلوب. فالجهوزية القتالية يجب أن تكون مضمونة في اللحظة الأخيرة، والرسالة النارية التي وصلت إلى «صندوق البريد» في تل أبيب ما هي إلا إشارة إلى أن ذخيرة الحزب لم تستنفد بعد، بل إنها تحتوي على أكثر مما كان متوقعا، ولن يكون إلا سيتم الكشف عنها في الوقت المناسب، لأن كلما ارتفعت مرتبة الحزب.. عملياته العسكرية مؤشر على أنه يحقق قفزة أخرى إلى الأمام حسب احتياجات الميدان والسياسة.
– إذا كان الجانب الإسرائيلي يريد التفاوض بالنار من خلال تكثيف الهجمات على مختلف المناطق وصولاً إلى العاصمة وانتزاع التنازلات من لبنان تحت الضغط، فإن حزب الله بدوره أراد أن يمنح المفاوض اللبناني ورقة قوة بقصف تل أبيب عشية وصول المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين إلى بيروت، يوضح نتنياهو أن الحسابات التي يبني عليها تعنته خاطئة وأنه يجب أن تخفض سقفها مع المخاطرة بإلحاق المزيد من الضرر بالجبهة الداخلية. للشركة إضافة إلى تراكم الخسائر التي تكبدها جيش العدو في المنطقة الحدودية جنوبا.