أولوية نتنياهو: “كماشة” بين شمع والخيام

admin19 نوفمبر 2024آخر تحديث :

من يعتقد أن حكومة بنيامين نتنياهو ستنهي حربها في لبنان الآن، حتى لو أعلن قبوله الإشراف الأميركي على تطبيق القرار 1701، فهو ساذج. ويعتقد الإسرائيليون أنهم قلبوا المعادلة في شهرين الحرب الأخيرين، وأن أمامهم شهرين إضافيين لتحقيق طموحاتهم العسكرية قبل وصول دونالد ترامب. وربما سيكون أمامهم شهرين آخرين لتعزيز ما حققوه قبل أن تتولى الحكومة الجديدة مهامها. هل هناك سبب يدعوهم إلى تسريع الاتفاق؟

إن الأولوية الحقيقية بالنسبة لإسرائيل اليوم ليست ما يحققه عاموس هوشستاين على طاولة المفاوضات، بل ما يحققه جيشه في ساحة المعركة، لأن الحبر على الورق في المعاهدات غير فعال ما لم تدعمه القوة العسكرية. وهو ما دل عليه قرار نتنياهو تعيين وزير جديد للدفاع وإطلاق المرحلة الثانية من الهجوم البري.

وفي الساعات الأخيرة، أشارت الأخبار الواردة من الجنوب إلى أن القوات الإسرائيلية على الأرض قد حققت بعض التقدم الميداني، وإن كان هشًا ومؤقتًا. وفي القطاع الغربي، يعمل الإسرائيليون على السيطرة على بلدة الشام ذات الموقع الاستراتيجي. وإذا تمكنوا من ذلك، فقد يفتحون ثغرة مهمة للسيطرة على الطريق الساحلي المؤدي إلى صور. كما يمارسون ضغوطاً كبيرة لاختراق القطاع الشرقي عند نقطة كفركلا – الخيام – مرجعيون والوصول إلى نقطة في نهر الليطاني الأقرب إلى الحدود (نحو 5 كيلومترات). ومن خلال التقدم في هذين القطاعين، تخطط إسرائيل لإنشاء “كماشة” تساعدها في السيطرة على القطاع الأوسط على عمق حوالي 5 كيلومترات. وبعد ذلك، من المرجح أن تكون الظروف مهيأة للاندفاع نحو خط الليطاني بأكمله.

ومن أجل إبقاء حزب الله مشغولاً على الجبهة الخلفية، تكثف إسرائيل هجماتها في الضاحية الجنوبية ومنطقة البقاع، سواء من خلال الاغتيالات التي تطال بشكل متزايد البنية المدنية للحزب، أو من خلال أعمال التدمير الممنهجة، التي بلغت مؤخراً حداً بالغاً. لقد قبلت النسب البشعة الأيام.

ومن الناحية المنطقية، لا يمكن لإسرائيل الآن أن تكون مستعدة لإنهاء الحرب وقبول الحل بينما ينفذ جيشها خطط الغزو الميداني. وستعمل على الفور على تنفيذ هذه الخطط الميدانية، في حين أن دور الوساطة هو ضمان الإبلاغ عن السياسات المتعلقة بالتقدم الميداني. حدث هذا في غزة، حيث الحرب مستمرة منذ أكثر من 13 شهراً والوساطات في الأجواء. وإذا كان نتنياهو يفضل مواصلة الحرب في غزة من دون الاهتمام بمصير الرهائن لدى حماس أو فقدان أرواح جنوده، فمن المرجح أن يستمر في الحرب في لبنان أيضاً. وسيواصل تحقيق أهدافه طالما أن الميزان يتحرك بشكل كبير لصالحه، وطالما أن الظروف الدولية المقبلة بعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض أكثر ملاءمة له.

وفي المفاوضات التي يقودها هوكشتاين، يجب على لبنان أن يقدم تنازلات موازية للتقدم الإسرائيلي. إذا نظرنا إلى أحداث الأشهر الأحد عشر الأولى من حرب الدعم، نجد أن حزب الله رفض عرض إنهاء الحرب، ولو بالمجان، وانسحاب لبنان من قطاع غزة. كما رفض أي انسحاب لمقاتليه، حتى ولو على بعد بضعة كيلومترات من الخط الأزرق.

لكن بعد اندلاع الحرب والانتكاسات المؤلمة، بدأ «الحزب» بالإعلان عن موافقته على العودة إلى «ستاتيكو» قبل 8 أكتوبر 2023. لكن إسرائيل لم تعد تكتفي بهذا التنازل، وهي تصر الآن على ضمانات قوية لتنفيذ القرارين الدوليين 1701 و1559 و1680، بحجة منع تكرار “طوفان الأقصى” على حدودها الشمالية.

واليوم، وبعد ما حققته على الأرض، واستعداداً لدخول ترامب إلى البيت الأبيض، تجرأت إسرائيل على تقديم نفسها كرقيب على تنفيذ القرار 1701. وليس من الواضح كيف سيتعامل لبنان مع هذا الاقتراح الذي يمس بسيادته وكرامته الوطنية، خاصة إذا تجنب الإسرائيليون إدراجه في الاتفاق مع لبنان وكانوا يعتزمون إدراجه في وثيقة مصاحبة للتفاهم بينهم وبين لبنان. وتشمل الأميركيين الذين سيقودون مجلس المراقبة.

وهذا التنازل التدريجي من جانب لبنان على مدى أشهر، بالتوازي مع تصاعد الضغوط الإسرائيلية، سيشجع الإسرائيليين على أن يصبحوا أكثر صرامة على أمل الضغط على لبنان لتقديم المزيد من التنازلات مع استغلال نقطة التحول العسكري لصالحهم بموافقة المجتمع الدولي.

إذن ما يتوقعه الإسرائيليون من وساطة هوكشتاين هو انتزاع امتياز إضافي من الجانب اللبناني وانتظار التطورات الميدانية المقبلة في الجنوب والضواحي ومنطقة البقاع لطرح شروط أكثر صرامة. سيتعين على لبنان أن يشرب كأس التنازلات التي تقترب من الحضيض ويقبل بها في مرحلة ما، لأن القادم سيكون بالتأكيد أسوأ.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة