لم يعد نطاق حرب إسرائيل على لبنان يقتصر على حماية المستوطنات الشمالية للدولة العبرية، بل لها دلالات سياسية وديموغرافية، هدفها محاصرة الشيعة وإضعافهم في السياق السياسي الوطني والدولي. المعادلة، مما يحفظ للمستقبل بعض الشرر القادر على إشعال رماد اللبنانيين الذي سيدفن في قلوب وذكريات أبناء طائفة كبيرة. وما يثير القلق هو أن تجارب مماثلة حدثت من قبل في اتجاهات مختلفة، ولم تجلب سوى النار والدمار والفتنة لقلوب لا يمكن أن تنكسر كالزجاج.
عندما اغتالت إسرائيل مسؤول الدائرة الإعلامية في حزب الله والمستشار الإعلامي للأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، والحاج محمد عفيف، لم يعد هناك أدنى شك في أن إسرائيل لا تحاول ضمان أمنها باستخدام القوات المسلحة لحزب الله شمال الليطاني اندفع لصد الصواريخ والقضاء على أي تهديد مباشر قد ينشأ. ويسعى إلى القضاء على الحزب وأجنحته السياسية والعسكرية. انتفض السيد نصر الله، واعتقدت تل أبيب أن إقصائه سيقضي على المقاومة، لكن هذا الاعتقاد لم يدم طويلا لأن “حزب الله” ما زال محتفظا بالقدرة، رغم الحرب الوحشية، غير المسبوقة في عنفها وقسوتها، على التحرك والهزيمة والمنافسة مع مسيرات وطائرات الاستطلاع والطائرات.
ويشهد اغتيال الحاج محمد عفيف على اتجاه لتوسيع الحرب إلى ما هو أبعد من الهدف الذي برر الانحراف عن قواعد الاشتباك ورفض الالتزام بأحكام قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701. وأحصت قوات اليونيفيل 36 ألف انتهاك نفذتها الدولة العبرية براً وبحراً وجواً. وهي، كما يقول المحللون، لا تستطيع القبول بقرار يرغمها على التخلي عن هذا النهج الذي طال أمده، لأنها تصر على إعطاء نفسها حقا لا تملكه قانونيا، وتريد إثباته على أرض الواقع. ولذلك، هناك تخوف متزايد من أهداف إسرائيل التركيز على المناطق الشيعية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، من أجل دفع سكانها إلى الداخل لإشعال حرب أهلية تتداخل فيها عوامل السياسة والحذر والاقتصاد. والقدرة على توفير الحماية تتقاطع وتتفاعل بطرق تجعل ذلك الصراع حقيقة، حتى لو كان صراعًا واحدًا فقط. وهو مرفوض من الجميع. بالإضافة إلى ذلك، سيصبح الوضع صعباً للغاية عندما تنتهي الحرب.
رئيس مجلس النواب نبيه بري يؤكد أن الذين هجروا قسراً سيعودون إلى قراهم ومدنهم وحياتهم في اليوم التالي لانتهاء الحرب. لكن السؤال هو: هل العودة ممكنة؟ كيف يمكن البقاء في المناطق المحروقة والمغطاة بالركام؟ أين تبدأ عملية إعادة الإعمار؟ من يهتم بذلك؟ تحت أي ظروف؟
وتعلق دوائر المتابعة: “صحيح أن أياً من الطرفين في لبنان لا يستطيع أن يلغي الطرف الآخر ويتعامل معه وكأنه مهزوم، لكن الصحيح أيضاً أن هناك قراءات مختلفة للوضع، يقودها البعض إلى واحدة”. دفع الآخرين إلى الاعتقاد والتصرف على هذا الأساس. وهذا الأمر بالغ الخطورة لأنه سيتراكم العديد من عوامل الاستياء التي قد تنفجر وتنقسم بشكل يهدد الاستقرار العام للبلاد. وقد أشارت القمة الروحية الأخيرة في بكركي إلى هذه التحفظات، وحذرت، ولو بطريقة غير مباشرة، من الآثار المحتملة للأخطاء الحسابية واختلال التوازن. بمعنى أوضح، كل القوى متساوية أمام القانون ومعايير الواقع لحماية لبنان من مفاجآت أخطر من الوضع الحالي، أو على الأقل إحباط أي محاولة لجره إلى ما هو أسوأ من الحرب التي تشن عليه.
إسرائيل تفاوض بالنار وتريد تحقيق شروطها مهما كانت، وترى أن الحزب يستنفد شيئاً فشيئاً وأنه في النهاية عليه أن يفي بهذه الشروط أو ينتظر موعد الحسم النهائي بالسياسة مهما كانت العواقب. .
ويبدو واضحاً حتى الآن أن إسرائيل لن ترضى بوقف إطلاق النار، ولا بأي اتفاقات تضمن تنفيذ القرار 1701، ولا بتمركز الجيش في منطقة جنوب الليطاني، ولا حتى بإخلاء المنطقة. من أي سلاح هناك، بل يتعلق بخلق واقع يضعف وجود حزب الله في الجنوب ومن ثم في لبنان، وهذا التوجه يلقى دعماً مباشراً وواضحاً من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا العظمى وجمهورية ألمانيا الاتحادية وضمنياً من بعض العرب. . هناك من يرى أن واشنطن تمارس سياسة “التراجع” والتباطؤ، مما يساعد على حل عدد من القضايا العالقة في المشروع الذي طرحته لإنهاء الحرب من أجل تمهيد الطريق أمام تقدم تل أبيب على الأرض. الأرضية التي ستسمح لها بإملاء بعض الشروط التي تقترحها والتي تريد أن تشمل جوهر المشروع.
وسط العمليات العسكرية الملطخة بدماء اللبنانيين، الذين كان عدد المدنيين بينهم أكبر بأضعاف من عدد المقاتلين للدولة العبرية، ويبدو أن المناورات السياسية التي تستخدم دماء هؤلاء وحزب الله تكمن يضيع للضغط عليهم للاستسلام والاستسلام، وفي ساحة مسورة يعمل بجد للوقوف على موقفه أثناء انتظار البيانات لإيقاف اللعبة عند نقطة معينة. ليقرر المرحلة المقبلة وبالتالي ليس أمامه خيار سوى اللعب في الملعب. يتمسك به ويحاول درء الضغوط التي يتعرض لها.