وفي الساعات الأخيرة، كررت تل أبيب مرة أخرى “التفاؤل الكاذب” بشأن الاتفاق الوشيك على مشروع وقف إطلاق النار الذي “يوفر أفضل الظروف على الجبهة الشمالية”. وبعد أن اكتفت بنتائج المفاوضات مع واشنطن، شككت في «إمكانية قبول لبنان للعرض». وتزامن ذلك مع تأكيد الرئيس نبيه بري أنه لا يعترف بأي أوراق سوى تلك التي تم تبادلها مع المبعوث الأميركي عاموس هوشستين. وعليه، فقد تم التساؤل حول مستقبل مهمة هوكشتاين ومصير السيناريو الإسرائيلي؟
في أعقاب سلسلة الهجمات الإسرائيلية المدمرة على الضاحية الجنوبية، بعد أن امتدت إلى المراكز الطبية والصحية ومناطق مختلفة في جنوب لبنان والبقاعين، والمجازر التي وقعت في عدة مناطق من الشوف وعاليه إلى شمال لبنان والتهديدات المتتالية لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي بتوسيع العملية العسكرية البرية ومعه المتحدث الرسمي باسمه أفيخاي أدرعي، المسؤول عن إدارة موجات النزوح بين المناطق، واصلت تل أبيب بث السيناريوهات الوهمية الواحدة تلو الأخرى، وتظهر صورة متناقضة بشأن مشاريع تهدئة الجبهة الشمالية وإمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يوفر لها ما يكفي من المساعدات الضمانات بين الاستعدادات التي تستعد لها القيادة العسكرية في مواجهة غير متكافئة مع «دبلوماسية التهدئة العاجزة» التي توحي بعملية تبادل الأدوار التي تعكس تجارب سابقة مستنسخة، بما في ذلك التعبيرات والمعادلات العسكرية.
وعلى هذه الخلفية، أشير إلى ما يمكن أن يحققه اللقاء بين الرئيس جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي عقد في البيت الأبيض أمس، وما يمكن أن يحققه اتفاق للحد من تصاعد عدد من الأزمات الدولية الكبرى. كما يتعلق الأمر بالحرب في شرق البحر الأبيض المتوسط لتوقع المرحلة التالية وما قد يؤدي إليه هذا الجهد. كل هذا يحدث بينما لم ينس أحد حتى الآن فشل المبادرات العديدة لبايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والدعم الذي لقيته مبادرتهما من مجموعة دول خليجية وعربية وأوروبية منذ إطلاقها على هامش القمة. الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وهي خطوة وصلت إلى مرحلة الموت السريري قبل أن يجف الحبر عندما قاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من مقر إقامته في الأمم المتحدة في 27 سبتمبر/أيلول الماضي. الصدمة التي سببتها لا تزال تتردد حتى اليوم.
إضافة إلى المعطيات المرتقبة التي يمكن أن تسلط الضوء على التطورات الغامضة التي يمكن أن تحملها الأيام المقبلة، فقد أصبح واضحا أن لبنان ينتظر أخبارا عن مصير مبادرة هوكشتاين. وهو الوسيط الوحيد الذي لا يزال حاضراً في المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل ومع باقي الأطراف التي تتناول الأزمة وتطوراتها، إضافة إلى مهمات وفود أخرى من أكثر من دولة غربية وعربية. لأن لبنان لم يتلق بعد أجوبة يتوقف عندها منذ أن اتفق بري وهوشتاين على ما يسمى خارطة الطريق لوقف إطلاق النار والخطوات التالية لتنفيذ القرار 1701 والخطوات المرتبطة به على المستوى العسكري والسياسي.
وبينما كان ينتظر الإجابات التي وعد بها هوكشتاين ولم يكمل مهمته بعد، أوضح المفاوض اللبناني بكلام بري الذي أعاد التأكيد وسط المشاريع التي تتداول بين حين وآخر، أن «ما يتم نشره هو مجرد معلومات إعلامية». وأن لبنان «ينتظر مقترحات ملموسة لاتخاذ الموقف المناسب». وأضاف: “الحل المطروح حاليا هو تطبيق القرار الأممي 1701 الذي أنهى حرب 2006، وضرورة التزام جميع الأطراف”، وهو مؤشر واضح على أن “الالتزام ليس فقط من الجانب اللبناني” في إشارة معلنة إلى ما يمكن أن يلزم تل أبيب وواشنطن وأي طرف يتولى دور الراعي للاتفاق.
وإذا انخرط المراقبون في استكشاف حيثيات الموقف اللبناني فلن يكون الأمر صعبا، إذ أبلغ بري المعنيين من كافة الأطراف أنه لا يستطيع الموافقة على طروحات الجانبين الأميركي والإسرائيلي، لا سيما تلك التي تنطوي على تغيير شكلي. ومهمة «اللجنة الثلاثية» التي تقود المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل من خلال قيادة اليونيفيل، ولا سيما اقتراح تحويلها إلى «خماسية» بعد إشراك ممثلين عن فرنسا والولايات المتحدة، وأخرى وقام بتوسيعها إلى “سبعة” لتشمل ألمانيا وبريطانيا العظمى. لذلك، إذا وافق لبنان على موقف بري، فهو يريد أن تعود الأمور إلى مرحلة ما قبل اغتيال السيد نصر الله، وأن يلتزم بإتمام مفاوضات هوكشتاين وما ارتبط بها من ضمانات سبق تقديمها ضمن الجهود المشتركة بين الولايات المتحدة وفرنسا. ودول عربية مثل السعودية، عندما وافق لبنان على وقف إطلاق النار، وهو ما رفضه نتنياهو وأبدى عداوته في اغتيال السيد نصر الله أحضر.
وبناء على ما سبق، أشارت الجهات المعنية إلى أن «الصمت» أبلغ من «الثرثرة» حول كل ما هو مطروح على الطاولة بين تل أبيب وواشنطن، لا سيما ما يتعلق بمهمة وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون دريمر التي انتهت عندما وخلق لها نتنياهو أدوارا بديلة، وهو ما فعله وزير الدفاع السابق يوآف غالانت قبل إقالته، سواء في موسكو أو خلال زيارته لواشنطن ولقائه بالرئيس ترامب بعد انتخابه. ويدرك لبنان أن نتنياهو غيّر استراتيجيته في الحكم من خلال الاعتماد على دريمر، الذي شغل منصب سفير بلاده في واشنطن خلال ولاية ترامب السابقة، لتغيير بوصلة مفاوضاته في الداخل والخارج ومن عودة علاقاته مع الإدارة الأميركية القديمة. وقد أفاد البيت الأبيض في كل نقاش أجراه حول “خطط إسرائيل في غزة ولبنان وإيران”. هذه ملفات على القائمة الإسرائيلية.
باختصار، لا بد من الاعتراف بأن لبنان ينتظر ليرى ما سيأتي به هوشستاين أو غيره إذا جاء بشيء عملي بعد اللقاء مع ترامب وبايدن، وستستمر الغارات الجوية الإسرائيلية ونتيجتها المدمرة إلى أجل غير مسمى، وحتى تأكيد ما هو هوشستاين نفسه وترجمة كلماته المنسوبة مؤخراً: «هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان قريباً بانتظار التحقق». بسبب الأمل الكبير الذي يحمله وبسبب الألم الذي يعاني منه اللبنانيون.