حتى الآن لا يستطيع أحد أن يميز الخيط الأبيض من الخيط الأسود، في ظل «طوفان» الأخبار المتناقضة التي تنشرها وسائل الإعلام العالمية والعربية والإسرائيلية حول إنهاء الحرب في لبنان.
هناك سيناريوهات متناقضة ومتنوعة تناسب أهواء من سربها، وفي الوقت نفسه تحير خيال المحللين الذين يجدون صعوبة في إضافة استراتيجيين إلى وصفهم. لكن الحقيقة هي أنه لا يمكن التأكد من اتجاه الأمور نحو هذا الخيار أو ذاك، إلا بعد لقاء غداً الأربعاء بين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب والرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، حيث سيتم، من بين أمور أخرى، التطرق إلى أمور أخرى. تمت مناقشة ما إذا كان ينبغي تجديد عقد عاموس هوشستين أم لا حتى يتمكن من مواصلة عمله للتوصل إلى حل. الحرب في لبنان وشيكة.
وبالتوازي مع ذلك، يمكن أن تكون قمة الرياض نقطة تحول ستقرر مصير العلاقات الإسلامية – الإسلامية، والعربية – العربية في المرحلة المقبلة. بعد المجازر الكبرى والكوارث المدمرة التي ارتكبتها الدولة العبرية في لبنان وقطاع غزة وأعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبتها، لم يعد بإمكان العالم الإسلامي والعربي أن يقف مكتوف الأيدي متفرجاً على الجهود الدولية المتواصلة لوقف هذه الدوامة الدموية غير المسبوقة. من العنف. كانت كلمات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في افتتاح القمة الإسلامية في العاصمة السعودية، مؤشراً على تحول إسلامي عربي في التعامل مع إسرائيل التي تجاوزت كل الحدود ولجأت إلى خيارات غير معتادة في الحروب، سواء مساواة المدنيين بالمدنيين. يعتبر المقاتلون الإسرائيليون، وبالمناسبة، الأهداف المدنية والحضرية أهدافًا عسكرية. كما لم يتم إعطاء أي وزن للقوانين والبروتوكولات والأعراف الأممية والدولية في التعامل مع الفرق الصحية والإغاثية على الأرض، حيث إن انتهاك اتفاقية جنيف واضح، وكذلك الحال بالنسبة للفرق الإعلامية، عدا عن التهديد المباشر. لتلك التي تشكلها المعالم الأثرية والنصب التذكارية لليونسكو المدرجة في قائمة التراث العالمي.
وقال دبلوماسي لبناني حضر القمة في الرياض إنه مهما عظمت خلافاتهم مع حماس وحزب الله وتباينت مواقفهم بشأن إيران، فلن تستطيع الدول العربية والإسلامية أن تغض الطرف عن القضية لتغض الطرف. إلى المشهد المأساوي الممتد من غزة إلى لبنان، لأن عواقبه المستقبلية ستكون وخيمة. وله آثار خطيرة على السلام الإقليمي والعالمي. هناك اعتقاد عربي وإسلامي بأن السبب الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط هو عدم التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية. ولهذا لن يتمكن المؤتمران في السعودية من تجاهل «حل الدولتين» أو قرارات قمة بيروت، لأنه إذا رفضت تل أبيب هذا الإطار -المخرج- فلن تستطيع أي دولة عربية أن تفعله. وبهذا انتقل إلى التطبيع. وأول هذه الدول هي المملكة العربية السعودية. ومن المؤشرات المهمة لهذا المؤتمر التطور النوعي للعلاقات بين الرياض وطهران، وهو ليس تفصيلاً ولا عرضاً، إذ يغلق النافذة التي يمكن أن تتسلل منها رياح الانقسامات التي تنهك آثارها الجميع. كان للعرب وعوالم إسلامية. ليس هناك ما هو أوضح من تصريحات كبار المسؤولين في كلا البلدين الذين يشيرون إلى أنه ما لم تنجح محاولات المتضررين من هذا التقارب في التقارب، فإن مرحلة جديدة من التعاون سيشهدونها في المستقبل غير البعيد ستكون مبشرة لهم معًا.
وإذا قرأنا بإيجاز مواقف تركيا وإيران والسعودية ومصر وقطر وغيرها من الدول الإسلامية الآسيوية، يمكن القول إن هناك رغبة في إنهاء الحرب على غزة ولبنان، دون معرفة الطريقة والشروط. ولن تكون إسرائيل حرة في فرض مطالبها وسياساتها إذا انسحبت. قمة الرياض اتخذت قرارات حاسمة بالإجماع وعرقلت أي محاولة للالتفاف عليها.
لبنان الرسمي والسياسي بدوره لم يقبل سيناريوهات الحل المبالغ فيها التي أرادت إسرائيل فرضها عليه ثمناً لإنهاء الحرب. لديه الجواب: وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701.
فهل يستطيع العرب أن يتحرروا من خلافاتهم وهمومهم فيما بينهم ويتفقوا على الحد الأدنى من الثوابت لضمان استقرار بلدانهم، أم أنهم سيستمرون في انقساماتهم ويفقدون كل نفوذ؟ والسؤال هو: ألم تؤجل هذه القمة، أم أنها لم تكن لتكون أكثر فعالية لو أنها عقدت بعد وقت قصير من عملية طوفان الأقصى، وإذا لم يحدث ذلك، عند بداية الحرب على لبنان؟ وهل الأجواء مهيأة للدول العربية والإسلامية لتجاوز تناقضاتها دون إغفال التطور النوعي والإيجابي الذي ظهر في نهج التعامل المتبادل بين المملكة العربية السعودية و الإسلامية الإيرانية؟
كل العيون على الرياض والجميع ينتظر. فهل توفر قمتها الترياق أم أنها تغرق في التمييز وحوله؟