ويقول دبلوماسي عربي مقيم في دولة أوروبية إنه خلافا لما هو متعارف عليه حاليا، فإن الاتصالات الأمريكية الإيرانية في سلطنة عمان لا تزال تعمل بشكل أو بآخر وسط تصاعد النيران في لبنان وقطاع غزة.
وحتى لو توقف لفترة قصيرة، فإنه سيعود بوتيرة مقبولة، وسيتضمن جدول أعماله بالدرجة الأولى الملف النووي والحرب المستمرة في لبنان وغزة، فضلا عن الدور الذي يمكن أن يلعبه الطرفان لوقفه. وعدم تصعيدها أكثر ووضعها في مدارات تشعل منطقة الشرق الأوسط برمتها.
إن استمرار المفاوضات مع طهران أتاح لواشنطن القيام بدور الوسيط لموازنة الرد الإيراني على إسرائيل والعكس في مرحلتي المواجهة.
ويرى هذا الدبلوماسي أن محادثات عمان كان يمكن أن تحرز تقدما في الملف النووي من خلال الموافقة على المرحلة الانتقالية، وأن هذا الاتفاق كان سيقترب من التوقيع لو لم يمتنع الرئيس جو بايدن عن التصويت، مفضلا تسليمه لخليفته. ستنتقل الانتخابات إلى البيت الأبيض. ويؤكد الدبلوماسي نفسه أن هناك اعتقاداً لدى الأميركيين وبعض الدول العربية المؤثرة بأنه لا يمكن إخراج إيران من المشهد وأنه يمكن عزلها ومحاصرتها دون أي تداعيات على السلام الدولي والإقليمي.
وبالطبع فإن إسرائيل لن تستمع إلى الأصوات المطالبة بوقف عملياتها في لبنان، ولم يعد لها أي أهداف بعد أن قتلت من قتلت ودمرت ما دمرته، وشعارها مغلق «الخراب ل…». لقد أصبح “من أجل التدمير” وكذلك “الفن من أجل الفن” لسببين:
الأول: إجبار حزب الله على الموافقة على وقف إطلاق النار وفق «دفتر شروطه»، اعتقاداً منه بأن حجم الهجمات في الجنوب ومنطقة البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت سيزيد الضغط من محيطه ويهدده. من الخارج ستعظمها والدولة عليها، حتى تقبل ما يعرض عليها، وتذهب في عقيدتها إلى حد الرهان على محاصرتها في الداخل بعد أن واجهها الجميع.
ثانياً، زيادة وتيرة التصعيد، خاصة في ظل احتدام المعركة على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف تعزيز موقفها التفاوضي بشأن المبادرة المنتظرة التي ستطرح، بغض النظر عن هوية الوافد الجديد. البيت الأبيض. ومن هنا التوقع بأن الأيام القادمة لن تكون أقل قسوة وفظاعة من الأيام القادمة.
لذلك، وفي ظل العجز الدولي والعربي عن إيجاد حلول تخرجه من الدوامة التي وقع فيها، يبقى لبنان في حلقة مفرغة من الأوقات الصعبة. ويشير الدبلوماسي العربي إلى أن سحب الدخان، حتى لو اشتدت، لا تنفي ضرورة بذل جهود جادة للخروج من المحنة التي تثقل كاهل المنطقة العربية برمتها.
تريد إسرائيل «نصراً» حاسماً يمكّنها من ضمان استقرارها السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي لمدة تتراوح بين ثلث قرن ونصف القرن. وبينما يحاول حزب الله، ومن خلفه إيران، الصمود ميدانياً لمنع قوات الدولة العبرية من التقدم براً وإنشاء مواقع عسكرية لها، سيكون من الممكن القول بأنه حقق انتصاراً حاسماً، وهو ما من شأنه أن يقوض أي اتفاق متوقع ليس في مصلحتها.
ولذلك يخوض ضدها صراعاً مريراً في إقليم الجنوب، إذ لا يسمح لها باحتلال أي جزء منه. لكن حاجة واشنطن إلى حل شامل ومرجح سيجعلها حريصة على استكمال المفاوضات مع طهران لتحقيق ما يلي:
أ- وقف الأعمال القتالية في لبنان وغزة والتوصل إلى اتفاقيات أمنية وأمنية تنهي التوترات.
ب- تقاسم النفوذ بعد مصير العمل النووي واضح وقبول جميع الأطراف لمضمونه نصاً وروحاً. وما سيساعد الاتفاق هو تشجيع دول الخليج المجاورة لإيران على إيجاد حل سلمي للمشكلة وسحب أي صواعق قد تؤدي إلى حرب شاملة في المنطقة. ليس هناك أوضح من التواصل بين المملكة العربية السعودية و الإسلامية الإيرانية وإعلان الرياض أنها أخذت على عاتقها نشر نور حل الدولتين، وهو ما ترفضه إسرائيل بشكل قاطع، كما فعلت وقد رفض من قبل إقامة دولة واحدة على أرض فلسطين حيث تلتقي الأديان وتتواصل وتتعايش وتكون القدس عاصمة مفتوحة لجميع أتباعها.
لقد أصبح من الواضح أن دعاة حل الدولتين يشعرون بالحرج من الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة وتدمير الحجارة والناس، وأنهم سيجدون صعوبة في التعامل مع إسرائيل ما لم يكن هناك ثمن يضاهي ما يقابله السلام المنشود، لأن السلام هو الحل. ولا يُفرض بالحديد والنار، ولو افترضنا أن هناك غالبًا ومهزومًا في الأرض، وهو في كل الأحوال لن يكون إلا مؤقتًا.
وهذا يعني أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية ومركز الحرب أو السلام في هذه المنطقة من العالم. وليس الأمر كما تدعي تل أبيب أن الحرب مستوردة ومصطنعة ولا سبب لاندلاعها لولا أطماع إيران والمحور الذي يدعمها.
ويتوقع الدبلوماسي العربي أن تقوم الحكومة الأميركية الجديدة بأمرين:
1- استئناف المفاوضات حيث وصلت إدارة الرئيس جو بايدن والمضي قدماً بكل تصميم نحو الحل.
2- العودة إلى نقطة البداية من خلال إطلاق حوار جديد في سلطنة عمان للتوصل إلى اتفاق حول الأمر، بغض النظر عما إذا كانت الحكومة الجديدة ديمقراطية أم جمهورية. ويختتم السفير العربي: «هناك حل «سجادة» تحيكه واشنطن وطهران بالتناوب بين الإبر الأميركية والخيوط الإيرانية والعكس صحيح.
يحدث ذلك بدقة ودون مراعاة كبيرة لعامل الوقت. متى سيتم الانتهاء من هذه السجادة؟ متى «تومض» ويقتنع المتضررون بأنها الخيمة التي ستنقذ جميع المعنيين من الانزلاق إلى ما هو أسوأ وأشد كارثية مما حدث ويحدث اليوم؟
هذا سؤال قد لا تكون الإجابة عليه قاطعة وواضحة. لكن مما لا شك فيه أن إسرائيل تستغل الانشغال الأمريكي الكامل بالانتخابات الرئاسية ونتائجها وتداعيات تلك النتائج لمواصلة هجماتها ومجازرها في غزة ولبنان ومحاولة فرض حقائق مفيدة عليها تملي عليها الحلول. التي تريدها، بدعم من الدولة العميقة في دوائر صنع القرار في واشنطن. لكن هل ستحقق «السجدة» الحل الموعود قبل «دمار غزة ولبنان» بشكل كامل؟