لم يسمح «زمن تشرين الثاني» بموعد جديد يبث التفاؤل في نفوس اللبنانيين بعد فشل إحدى المحاولات بين الأولى والثانية منهما لوقف إطلاق النار في الجنوب. ولذلك قيل إنهما عاشا «حلم ليلة منتصف الصيف» مع المبعوث الرئاسي الأميركي عاموس هوشستاين. ناموا على أمل انتهاء “النكبة” واستيقظوا على العكس. وبعد خيبة عودته، سواء برفقة منافسه بريت ماكغورك أو بمفرده، بدأوا في وضع سيناريوهات تحاكي ما حدث، وهذا مثال على ذلك.
وترى جهات دبلوماسية وسياسية مطلعة أنه لم يكن من المنطقي أن ينتظر اللبنانيون انعطافة كبيرة في مسار العمليات العسكرية التي تستمر في حصد أرواحهم وممتلكاتهم، مهما تعددت الخيارات التي تؤدي إليها. وفي حديثه عن إمكانية تحقيق ما تسميه إسرائيل “الحل المقترح، الذي يقضي بانسحاب قوات حزب الله إلى ما وراء الليطاني”، كما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، رفع رئيس الوزراء سقف مطالبه إلى مستوى لا يمكن لأحد أن يتحمله، على الرغم من وعد الولايات المتحدة بتقديم ضمانات كافية لـ “حرية العمل العسكري في لبنان” إذا التزمت قوات اليونيفيل مع التزام لبنان بتنفيذ القرار 1701. منذ صدوره في 11 أغسطس/آب 2006 وحتى اندلاع حرب “التضليل والدعم” في 8 أكتوبر/تشرين الأول.
لذلك، تبقى مهمة هذه الجهات البحث عن أمل بالتوصل إلى اتفاق قبل فتح صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الأميركية «الثلاثاء الكبير» المقبل، رغم أنها شبه مقتنعة بأن البحث هو عن «إبرة في كومة قش». سيكون ذلك أسهل من هذه الرغبة، خاصة إذا تابعوا عن كثب المواقف التي رافقت زيارة هوشستين وماكغورك إلى تل أبيب ولقائهما برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، وربما يجدان نفسيهما في خضم أزمة. طوفان من المواقف التقيت بمسؤولين آخرين دفعت الانتقادات الموجهة للإدارة الأمريكية الحالية وزير الأمن المتشدد إيتامار بن إلى التعبير عن أمله في فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات المقبلة، مقدما أول دليل على أنه من غير المرجح أن تقدم إدارته أي هدية لترامب. الديمقراطيون قبل أيام قليلة من المواجهة الكبيرة بينهما، خاصة أن الأميركيين شبه منقسمين في آخر استطلاعات الرأي الصادرة في الأيام الأخيرة قبل دخول البلاد فترة من الهدوء الانتخابي.
على هذه الخلفية، اتسعت سيناريوهات محاكاة مصير «وقف إطلاق النار المفقود»، فتأرجحت بين ما ظهر انقساماً لبنانياً داخلياً بين طرفي المواجهة الرئيسيين، وبين التصعيد الإسرائيلي الذي لا نهاية له والذي دام ساعة سيسخن لاحقاً. ساعة. وهذه مختارات من المشهدين اللبناني والإسرائيلي:
على المستوى اللبناني، بدا الأمر واضحاً بلا شك عندما أجريت مقارنة مبسطة بين تصريحات الأمين العام الجديد لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي، بفارق ساعات قليلة قبل يومين، مما يوحي بأن الحزب لا يزال يتعزز. بانقلاب عسكري بحثاً عن انتصار على الأرض في المواجهة المفتوحة مع الجيش الإسرائيلي. ويرى أنه لن يكون هناك اتفاق لا يضمن انتصار المقاومة. في هذه الأثناء، أعرب ميقاتي بصراحة وبوضوح لا يمكن إنكاره عن التزام لبنان بتنفيذ القرار 1701 الذي يؤدي إلى وقف إطلاق النار وحظر جميع الأسلحة غير الشرعية في منطقة اليونيفيل، بما في ذلك تلك المستخدمة في الحرب الحالية، وهو أمر مستحيل. تحدث عن إيران وحزب الله. في وقت لا تستطيع إسرائيل ولا الوسيط الأميركي مناقشة خطوة ما لم تنتصر نظرية الحكومة، التي يدعمها موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري. فماذا لو صحت نظرية تراجع قاسم عن الأمر الذي أصدره في خطابه لبري، بما ينذر بانقسام داخلي يعزز المواقف الأميركية والإسرائيلية والمجتمع الدولي؟
– لا يختلف الأمر على مستوى المشهد الإسرائيلي والتعقيدات هناك التي تحول دون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أو الخطوة المؤدية إليه. لأنه لا يخفى على أحد أن نتنياهو ومجموعته من الوزراء المتشددين لا يثقون في الجانب اللبناني لسحب الأسلحة من منطقة اليونيفيل وأنهم يرفضون بشكل قاطع إعطاء بايدن أي خطوة من شأنها تعريض فرص الديمقراطيين المتزايدة للبقاء في الأبيض للخطر. منزل. من شاهد أداء إسرائيل عشية زيارة هوكشتاين وماكغورك لا بد أن يدرك نيتها إنهاء الزيارة قبل حدوثها، أو على الأقل تعطيل آثارها. وتجلى ذلك من خلال تسريب ما يسمى بـ«صيغة التفاهم للحل السياسي في الشمال»، التي بدا أنها متنازلة عن بعض نقاطها الثمانية، وتتحدى الجانب اللبناني وتفرض على الوسيطين اللذين صعدا الدرج من عقبات الطائرة القادمة من واشنطن في الطريق عندما طلبوا نفي المحتوى خوفا من تشويهه. الصورة قبل وصول مندوبيه إلى تل أبيب. وقد بدا ذلك واضحاً جزئياً عندما أبلغ هوكشتاين ميقاتي في اتصال هاتفي تلقاه على سلم الطائرة أنه يأمل أن تكون النتائج هذه المرة أفضل من سابقاتها، من دون تقديم أي ضمانات.
وبناء على هذه المؤشرات، تستنتج الجهات الدبلوماسية والسياسية أن وقت الحل لم يحن بعد، وأن الشعور بأن مرحلة الانتخابات الأميركية ستمثل مرحلة حاسمة هو أمر مشكوك في أهميته وصحته. وطالما من الخطأ الرهان عليه، يخشى ألا يتمكن لبنان من إقناع أي من الوسطاء بموقفه إذا فشل الثنائي بري وميقاتي في إيجاد مخرج يوفق بين موقف الحزب وموقفه. على خلفائها، إيران، مواصلة الحرب والرهان على الميدان الذي لم يأت بعد سوى «الكوارث» والدمار شبه الكامل لأحياء الضاحية الجنوبية وعشرات قرى الجنوب ومنطقة البقاع. وهو ما يجعل من المستحيل العودة إلى بعضهم والعيش هناك لأي فترة من الزمن بعد وقف إطلاق النار.
والأخطر من ذلك كله أن الأيام المقبلة ستكشف مدى نية إسرائيل تدمير مساحات شاسعة من لبنان. إن حصر المطالب المعلنة في «عودة النازحين من الشمال» لم يعد مهما. ومن أراد ذلك كان بإمكانه أن يحققه عاجلاً، وإذا كان الهدف هو التخلص من سلاح حزب الله، فلا يزال الطريق طويلاً، وهو هدف لا يمكن تحقيقه إلا إذا قررت إيران استعادة سلاحها.