وفي عام 1965، قصفت إسرائيل روافد الأردن، بما في ذلك الحاصباني والوزاني، وأعقبتها بهجوم مماثل ولكن أقل خطورة في عام 1967. ولم تسلم مضخات المياه في هذه المنطقة من هجمات عام 2002 وفي 7 فبراير/شباط 2024. ففي عام 1968، هبطت قوة خاصة من الجيش بقيادة رافائيل إيتان في مطار بيروت ودمرت 13 طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط في عملية خاطفة. ومن قبيل الصدفة، كان إيتان أحد المهندسين الرئيسيين للغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982.
وفي 8 تشرين الأول 1973 قصفت الطائرات العبرية راداراً متطوراً بوظائف استراتيجية على سطح السفينة “باروك” المسماة “TAG LES SEMEURS” من نوع MPR. ومثال على ذلك «اليوم مثل الأمس»، أنشأت تل أبيب خلايا تجسس في بيروت ومدن لبنانية أخرى، تم كشفها واعتقال مدبريها. ثم تواصلت موجة الهجمات في كافة مناطق الجنوب وخارجه، عندما اغتالت وحدة “كوماندوز” إسرائيلية عام 1973 القادة الفلسطينيين الثلاثة في مضيق فردان: كمال ناصر، وكمال عدوان، ويوسف النجار. بحلول الغزو حدث الغزو الأول في آذار/مارس 1978 وكان مناسبة لاعتماد قراري مجلس الأمن الدولي رقم 425 و426 ولتشكيل أول قوة دولية لحفظ السلام في جنوب لبنان. ولم يمض وقت طويل حتى وقع الغزو الثاني في حزيران/يونيو 1982، واحتلال بيروت، أول عاصمة عربية تحتلها إسرائيل. وأثار هذا الاحتلال مقاومة ضده، ما أدى إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من بيروت وضواحيها إلى نهر الأولي، قبل أن ينسحب إلى الشريط الحدودي ويبقى فيه حتى عام 2000، عندما تراجع تحت ضغط المقاتل الذي يقوده حزب الله. انسحبت العمليات التي تقودها.
ثم في حرب تموز (يوليو) 2006، عندما فشل إيهود أولمرت في خطته – على حد زعمه – “لسحق” الحزب وإجباره على الاستسلام انتقاماً لهزيمة عام 2000 ولجميع العمليات التي نفذها في المنطقة الحدودية. وقصف مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور وغيرها، إضافة إلى الغضب الذي اجتاح تل أبيب بسبب إلغاء اتفاق 17 أيار/مايو 1983. فبعد أن هزمت نفسها في حرب تموز، تتراجع لكنها لا تزال تحتل اللبنانيين. وتستوطن في مدينة الغجر وكذلك في الهبارية وكفرحمام وكفرشوبا ويتمركز في 13 نقطة على الخط الأزرق الممتد من مزارع شبعا (جنوب شرق) إلى مدينة الناقورة (جنوب غرب) في قضاء صور – المحافظة الجنوبية. ونظراً لموقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية ووفرة المياه، ربما تكون مزارع شبعا إحدى أهم مناطق الاستيطان.
وفيما يتعلق بتاريخ المياه، دراسة علمية موضوعية أقرتها هيئات الأمم المتحدة وأجراها مدير عام الاستثمارات الأسبق في وزارة الطاقة والمياه الخبير الدولي د. فادي قمير، صادرت إسرائيل 135 مليون متر مكعب من المياه، إضافة إلى ما تم إهداره بسبب عدم تنفيذ خطة المياه التي وضعها قمير. وبناء على هذه المعطيات يمكن القول إن الحساب بين لبنان وإسرائيل لا يزال مفتوحا ولن يغلق ما دام الصراع على القضية الفلسطينية مستمرا ويتأرجح بين الصعود والهبوط. ونظراً لعدم القدرة على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بهذا الموضوع: 194/48، 242، 338 وغيرها من القرارات حتى الرقم 1701، والتي تدعي إسرائيل أن حزب الله لم ينفذها، رغم أنه من الواضح أن لديهم نية لانتهاكها. من خلال عمليات قواتها الجوية فوق لبنان، ودورياتها البحرية هناك، وتوغلاتها المستمرة على طول الخط الأزرق، وبناء أبراج مراقبة مزودة بأحدث معدات التجسس على طول الحدود.
واليوم، بعد كل هذا الدمار والاشتباكات العنيفة، هل يمكن القول إن هناك إمكانية لوقف إطلاق النار المبكر والعمليات العسكرية؟
والحقيقة أن الجواب يقع بين النفي والتأكيد. وعندما ننظر إلى الأحداث على الأرض نرى أن حزب الله تكبد خسائر فادحة ومعلنية وأنهكه، لكنه لم يفقد حيويته الميدانية وما زال قادرا على استهداف إسرائيل بأسلحة عالية الجودة ويلحق بها أضرارا جسيمة. وإذا أمكن له الهدنة فلن يهدف إلى محاصرته وتقليم أظافره. وهذا يعني أنه يريد وقفاً فورياً لإطلاق النار وتنفيذ القرار رقم 1701 دون أي إضافة أو تغيير في مضمونه. أما إسرائيل المنهكة، ورغم غطرسة رئيس وزرائها وتسريبها معلومات عن انهيار وشيك للحزب، فإنها لا ترفض وقف إطلاق النار الذي يتضمن تطبيق القرار الدولي رقم 1701 بصيغته الموسعة التي تتضمن حقوق وخطط وتسيير دوريات استطلاع وغارات متى شاءت، وحتى إلى ما وراء جنوب الليطاني. إن التدخل في معرفة هوية عناصر الجيش اللبناني المنتشرين في منطقة عمليات اليونيفيل، إضافة إلى جملة من الشروط، يتعارض مع أبسط قواعد السيادة وسيرفضه حتما الجانب اللبناني الرسمي. ولذلك ترى الدولة اللبنانية أن الاقتراح التالي منطقي:
أ- وقف إطلاق النار الفوري.
ب- تنفيذ القرار رقم 1701 بشأن وقف الأعمال العدائية من الجانبين.
ج- منطقة جنوب الليطاني خالية من أي تواجد مسلح باستثناء القوات المسلحة واليونيفيل.
د- تعزيز قوة الجيش اللبناني في منطقة عمليات اليونيفيل بـ 5000 عنصر وتزويده بالمعدات التي تمكنه من القيام بدوره.
هـ- تعزيز قوات اليونيفيل عدداً وعتاداً وإسناد دور أوسع في مراقبة الوضع والسيطرة عليه.
و – انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من المواقع التي احتلتها في منطقة الحافة الحدودية.
هناك من يرى أن الحلول التي تتم مناقشتها مؤقتة بطبيعتها: الرئيس الأميركي يريد إدراجها كإنجاز في فئة «الديمقراطيين»، ونتنياهو يريد استعادة أنفاسه بعد الخسائر التي مني بها جيشه على طول الطريق. وما زال حزب الله قادماً إلى ساحة المعركة، ويحتاج حزب الله إلى إعادة تنظيم صفوفه وتقييم الوضع على الأرض. وهي بذلك تستغل الوقت الذي يتيحه وقف إطلاق النار المعلن عنه وتتوقع ما تخطط له إسرائيل. حالياً، تستمر آلة الموت في انتهاج نهج الدمار الشامل والمجازر، دون التمييز بين المدنيين والمسلحين، خاصة أن أجندة مجلس الوزراء «توسّع» أهدافها في كل الاتجاهات. لكن يبقى السؤال الأكبر: هل الحل الذي يتم الترويج له (بضم الياء) واقع أم أنه مجرد وهم لأسباب تتعلق بالانتخابات الرئاسية الأميركية أو الحاجة إلى «دعاية» في إسرائيل في هذا الوقت؟ مرتبطة؟ انها تحاول شراء الوقت والهروب إلى الأمام؟